لؤي العزعزي
“المؤرخ، والأديب، والشَّاعر، وصاحب النّهضة الموسيقية الحديثة في الجنوب”
.. بهذه الكلمات وصف مؤرخ العوالق الكبير أبو بكر العدني المشهور (ت: 2022م) أمير لحج، وسلطانها الكبير الذي ولد، وتفيأ في ظلال النِّعمة، والإمارة، وبتوجهات أدبيَّة، وروح فنِّيَّة غنائية خالفت توجهات قومه، وأسرته، وطبيعة أسرته السِّياسية.
في سنة 1884م، أو في التي قبلها كانت مدينة الحوطة بمحافظة لحج على موعد لوصول باعث نهضتها الحديثة، ورائد عصرها البهي، في قصر من قصور سلاطين لحج العبادل ولد الشَّاعر، والأديب، والمغني الكبير أحمد فضل علي محسن العبدلي المشهور باسم القُمندان، ونشأ في أسرة كريمة، وفي ظلال وارفة، وحياة فارهة أمكنته من صقل مواهبه، وتنميتها، ورفدها بنفيس مراجعها حتَّى جعلت منه صدرًا من صدور جنوب اليمن، وواجهة من واجهات العلم، والفن، والأدب، والثَّقافة في مدينة لحج.
أسَّس بالاشتراك مع مجموعة من زملائه فرقة غنائية شهيرة، وساهم في إثرائها بقصائده الغنائية، وأبياته المطربة، وعمل على تطوير الأغنيَّة اللحجيَّة، فهو بحق صاحب النَّهضة الغنائية في جنوب اليمن، وهو حسب توصيف المؤرخ عبدالولي الشَّميري: الأمير المؤلف، والإداري المؤرخ، والأديب المغني، والفنَّان اللَّامع الذي أثرى الحياة الثَّقافيَّة خلال تزعمه لتيار التَّجديد، مع تمسُّكه بالموروث الشَّعبي كنقطة ارتكاز للإبداع.
جمع أغانيه، وقصائده، وأهازيجه في ديوانه الشَّهير «المصدر المفيد في غناء لحج الجديد»، وهو كما يظهر من عنوانه نقلة نوعيَّة في تاريخ الفن اليمني، وتحديثًا كبيرًا في الأغنية اللحجيَّة، اعتنى كُتَّاب التَّاريخ، ومؤرخو الفن بذكر قصائده، والتَّغني بأهازيجه، فحوت «موسوعة شعر الغناء اليمن في القرن العشرين» نصوصًا عديدة من أغانيه، مصدَّرة بسيرة حافلة لحياته المعطاءة بالثَّراء الفنِّي، والأدبي، فهو حسب توصيف «موسوعة شعر الغناء اليمني في القرن العشرين»: ذلك الأمير المثقَّف الذي استطاع أن يصهر في شخصيته تاريخ، وتراث مدينة بأكملها، هي مدينة لحج، ثم يصُب عصارة إبداعاته لتملأ هذه المدينة شعرًا، وأدبًا، وغناء، فيجعل من مدينة لحج الخضراء مركز إشعاع فنِّي أضاء أرجاء اليمن، والجزيرة العربيَّة … أبدع في قصائد الموشَّحات، والأناشيد الوطنيَّة، والزِّراعيَّة بشقيها الفصيح، والعامِّي، وأبدع فيه أيما إبداع، وكان أكثر شهرةً، وذيوعًا، خاصَّة المغنَّى منه.
يا ورد يا كاذي يا موز يا مشمش ويا عنبرود
يا قُمْري الوادي لك خد شاميَّة وعين الهنود
يا فُل يا نادي قل لي: ليالي الوصل شي با تعود
بهذه الكلمات الشَّهيرة عرفت السَّاحة الفنِّيَّة الأغنيَّة اللَّحجيَّة، وعرف محبو الفن، ورواده: الإبداع، والأصالة في الغناء اللحجي، وأدرك الباحثون، وكتَّاب التَّاريخ وجود نهضة فنِّيَّة في جنوب اليمن كان رائدها، وصدرها المقدَّم أميرها، وباعث نهضتها الحديثة القمندان أحمد فضل العبدلي.
سيرة هذا الفنَّان القدير طويلة الذُّيول، واسعة الجوانب لا تكفي هذا المقالة في أداء جزء من حقه، ولكنها كافية في الإشارة، والإلماع إلى وجود شخصيَّة وطنية يمنيَّة جنوبيَّة كبيرة مغمورة في ثنايا كتب التَّواريخ، والحوليَّات، عُرفت عند قوم بشخصيَّة الباحث في تاريخ، وأنساب اليمن، وعند آخرين بشخصيَّة الفنَّان الغنائي المبدع، والبارع في علوم الموسيقى، والتَّلحين، فحوت سيرته غالب مدونات التَّاريخ، والفن المعاصر، من «الموسوعة اليمنيَّة»، إلى «الموسوعة اليافعيَّة» إلى كتاب «الغناء اليمني ومشاهيره»، بل وبلغت شهرته إلى خارج اليمن، فدوَّن المؤرخ الكبير خير الدِّين الزِّركلي سيرته في كتابه «قاموس الأعلام» الذي جعله في تاريخ مشاهير أعلام البشريَّة في القديم والحديث، ودوِّنت بعض مناقبه في «موسوعة أعلام القرن الرَّابع عشر والخامس عشر في العالم العربي والإسلامي»، وفي غيرها من الكتب والموسوعات اليمنيَّة، والوطنيَّة، والعربيَّة، والعالميَّة.