تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » الشعر المسرحي.. فن تلاقي الكلمة والموسيقى

الشعر المسرحي.. فن تلاقي الكلمة والموسيقى

صلاح القرني
شهد الأدب العربي على مر العصور تحولات جمالية وفنية متعددة، كان من أبرزها بروز فن «الشعر المسرحي» الذي جمع بين جلال الشعر وروح المسرح، ليخلق فناً مركباً يزاوج بين الموسيقى الداخلية للكلمة وبنية العرض الدرامي. وعلى الرغم من أهميته في إثراء التجربة المسرحية العربية، إلا أن هذا الفن يعيش اليوم حالة من التراجع والغياب شبه التام عن خشبات المسرح.

مفاهيم عامة

الشعر المسرحي هو النص المسرحي الذي يُبنى بلغة شعرية موزونة أو مقطعية، بحيث تتكامل العناصر الدرامية من حوار وصراع وبناء للشخصيات مع الإيقاع الشعري. وقد وُلد هذا الفن في المسرح الإغريقي القديم، حيث كتب سوفوكليس ويوربيديس نصوصهم ببحور شعرية، لينتقل لاحقاً إلى الأدب الأوروبي في العصور الوسطى وعصر النهضة، وصولاً إلى المسرح الشكسبيري الذي مثّل ذروة الازدهار في الشعر المسرحي.

أما في الأدب العربي الحديث، فقد بدأ الاهتمام بالمسرحية الشعرية في القرن التاسع عشر مع محاولات أحمد شوقي الذي يُعدّ رائد هذا الفن عربياً من خلال مسرحياته الشهيرة مثل: «مصرع كليوباترا» و»مجنون ليلى» و»قمبيز». وقد فتح شوقي الباب أمام أجيال لاحقة من الشعراء المسرحيين مثل عزيز أباظة وصلاح عبد الصبور وعبد الرحمن الشرقاوي، الذين صاغوا نصوصاً جمعت بين الشعر وقضايا الإنسان والمجتمع.

مقاصد شعرية

لم يخرج الشعر المسرحي عن مقاصد الشعر الكبرى؛ فقد وظّفه الشعراء في تصوير الصراع الإنساني، وتجسيد القضايا الوطنية، ومعالجة القيم الأخلاقية والوجودية. فمسرحية “مأساة الحلاج” لصلاح عبد الصبور لم تكن مجرد نص شعري، بل كانت رؤية فكرية تحاور معنى الحرية والتضحية. أما عبد الرحمن الشرقاوي فقد قدّم عبر مسرحياته مثل: «الحسين ثائراً» و»الحسين شهيداً» بعداً ثورياً استلهم فيه التراث ليضيء قضايا العصر.

أبرز شعرائه

يظل أحمد شوقي الاسم الأبرز الذي ارتبط بميلاد الشعر المسرحي العربي، ثم جاء عزيز أباظة ليكمل المسيرة بلمسة كلاسيكية واضحة. وفي النصف الثاني من القرن العشرين، بزغ نجم صلاح عبد الصبور الذي قدّم شعراً مسرحياً حداثياً يقترب من لغة الإنسان المعاصر. كما ترك عبد الرحمن الشرقاوي بصمة قوية في المسرح الشعري ذي البعد السياسي والديني، إلى جانب محاولات شعراء آخرين كألفريد فرج وخليل مطران في بدايات القرن الماضي.

ضغوط إنتاجية

رغم عراقة هذا الفن، إلا أن الشعر المسرحي تراجع في الوقت الراهن لعدة أسباب. أولها تغيّر الذائقة الفنية لدى الجمهور، حيث بات يميل إلى النصوص البسيطة القريبة من العامية، بعيداً عن اللغة الشعرية الثقيلة. وثانيها التطور التقني في المسرح والسينما، مما جعل النصوص النثرية أكثر قدرة على التكيّف مع لغة الصورة والمؤثرات. كما أن انحسار حضور الشعر الموزون عموماً في الحياة الثقافية الحديثة أثّر على مكانة المسرح الشعري.

إلى جانب ذلك، فإن الضغوط الإنتاجية لعبت دوراً؛ إذ يخشى المنتجون من قلة الإقبال الجماهيري على المسرحية الشعرية مقارنة بالنثرية، ما جعل المخرجين يفضلون النصوص السردية الأقرب إلى لغة الشارع.

علامة مضيئة

يبقى الشعر المسرحي إحدى العلامات المضيئة في تاريخ الأدب العربي، شاهداً على لحظة التقاء الشعر بالمسرح في قالب فني متفرّد. ورغم ابتعاده عن المشهد المسرحي المعاصر، فإن إرثه ما زال يحظى بأهمية أكاديمية وجمالية، ويشكّل مادة ثرية للدراسة والإلهام، وربما يعود في المستقبل مع تجارب مسرحية مبتكرة تعيد للشعر حضوره على الخشبة بروح جديدة.