للناقد محمد الشويع
ربيع المخا، مسلسل يمني يُعرض حاليا في شهر رمضان 1443 على قناة السعيدة اليمنية، وهو من تأليف مختار القدسي وإخراج وليد العلفي.
لا أنكر أن المسلسل في أيامه الأولى بدأ بدهشة جديدة وقفزة درامية نوعية، كما تفضل عبدالسلام الشريحي (إعلامي ومعد ومقدم برامج لدى قناة السعيدة) وأشعرنا بدراما مختلفة هذا العام عبر تغريدة له على فيسبوك؛ وتفاءلنا كثيرا، ولو قسنا الأمر بمدى العناية الجبارة بتفاصيل الإخراج الفنية من دقة تصوير وعناية بالديكور والأزياء وتفاصيل المونتاج وتصحيح الألوان والكلفة الإنتاجية فالمسلسل يرتقي للمنافسة ويقدم صورة مشرفة لنا، لكنه كأي مسلسل يمني يفتقر إلى النص المتماسك، وما ألاحظه أننا كلما تقدمنا في الحبكة كلما ظهرت الفجوات الكبيرة في بنية النص.
كما أن هنالك أخطاء مهنية في بنية النص قاتلة ولا تؤهل المسلسل للمنافسة حتى على المستوى المحلي “من ناحية القصة”. مشاكل يعاني منها النص:
الخلفية التاريخية المغلوطة “والمحاكاة التاريخية مزيفة”.
من المؤسف أن فريق المسلسل يؤكد على وعيه باختيار زمان ومكان الأحداث، وأكد على المحاكاة التاريخية بالعبارة المبتدئة في بداية كل حلقة والمنصوصة بـأن “اختيارهم للعمل كان لعمل مقاربة ما بين الحدث التاريخي والخيال لمدينة المخا”، وهذا يؤكد أن المؤلف كان يقصد بشكل مباشر التحدث عن زمان ومكان الأحداث، ولن أتحدث عن ضعف الثقافة لدى المؤلف “مختار القدسي” فقد تحدث نقاد كثر غيري وأثروا هذه النقطة، لكن من الواضح أن اختيار القدسي للقصة لم يكن للهدف التاريخي بعينه وإنما اختيار تجاري ربحي بحت، وهذا حقه، فقد عمد الكاتب سيما وهو مدير القناة إلى اختيار قصة تجعله متفردا في الشكل والأسلوب لتحقيق مكسب تسويقي، لكن للأسف دون احترام لأهمية الموضوع ومدى حساسيته التاريخية ولا احترام للمهنية الاحترافية في كتابة قصة والاهتمام بعناصرها الداخلية ومفرداتها الفنية.
اختيار الموضوع غير مدروس ومتخبط ومعتمد على رؤية وقرار شخص واحد.
فمن الواضح أن مختار القدسي مازال يشعر بالغيرة من نجاح مسلسل “غربة البن” في قناة يمن شباب، فاتجه بكل قوته لجذب كل طاقم المسلسل لصناعة جزء ثاني في قناته، وفشل فشلا كبيرا في تقديم الجزء الثاني ولم يظهر حتى ولو بربع إمكانيات الجزء الاول، فظن أن النجاح كان بسبب الموضوع الذي تم اختياره “البن” وليس بسبب الطاقم، واتجه لموضوع البن كموضوع جديد، لكنه حمل معه خطأ لم يتعلم منه “تجربة التصوير بممثلين يمنيين يقومون بأدوار أجنبية”. وقد رأينا سوء التصنع في التمثيل وشبابنا يقوم بدور الهنود في الجزء الثاني من مسلسل “غربة البن”وهذا ما يتكرر في مسلسل ربيع المخا.
لغة النص مبعثرة “والمؤلف والسيناريست اعتمدا على ثقافة الممثلين وقدراتهم الشخصية “.
لقد بدا واضحا أن الممثل هو من يحاول خلق لغته الخاصة خصوصا الأجانب، والنص لم يكتب لهم باللغة المطلوبة، ويتضح ذلك جليا في نوع الممثلين “فقد مثّل كل محافظة يمنية ممثل من نفس المحافظة وأجاد التعزي لهجته والنعاني لهجته والخباني لهجته والحضرمي لهجته، وكان ذلك تنوعا جميلا لكن في أدوار الممثلين الأتراك ظهر العيب” فـ تحسين يتمسك بكلمات تركية ويكررها لا يقولها اميري ولا قائم مقام، وكذلك كل منهم لهم مفردات خاصة بهم لا تتشابه كثيرا مع الآخرين، وبالمجمل لا يوجد أكثر من ست كلمات تركية قيلت “يوك سيس جوزال عفارم وكم كلمة يتيمة” أما بوشكاش فاهم الموضوع غلط تماما فهو يرى أن لغة الأتراك هي “صنعاني ممطمط الأداء، كما لاحظت أن النصوص التي كتبها المؤلف باعتبارها تركيةهي عبارة عن لغة عربية عادية يكثر فيها جمع المؤنث المسالم” بضاعات، خسارات، خيانات، تجارات، مقامات” واتضح أنها لغة الكاتب لأن الجميع يشترك في هذا الأسلوب”.
الأبعاد النفسية لشخصيات العمل” موضوعة بالبركة” ولم تبنَ على أسس علمية.
يتضح لنا أن النصوص والأحداث والحبكات لا تعتمد علي مكون الشخصيات، فالنصوص المكتوبة ركيكة جدا لا توحي باعتماد المؤلف أقناء الكتابة على التاريخ الشخصي للشخصية، والسيناريست كذلك والمعالجة الدرامية التي وضعها إن كان قد وضعها لا توجه الممثل في انفعالاته بل تترك له حرية الاختيار في الانفعال وردود الفعل. وهنا، سأدلل على ما أطرحه من خلال اختيار بعض المواقف وتفسير ما مشكلة بنيتها النفسية ومدى تفكك ارتباطها بالتاريخ الشخصي لكل ممثل..
مثال: شخصية عبد التواب “أنموذجا”: عبد التواب الرجل القوي” شهبندر التجار الذي لا يخاف تحسين بيك وتسبب في إقالة قائم مقام السابق” يفترض أنه عندما يقلق على ولده أن يضعف ضعف الكبار.. يقلق ويتوتر ويقول نصوص ألم خفية في بيته عند زوجته أو أمه أو صديق مقرب لكي لا تهتز صورة الرجل الذي يسيّر أمر مدينة بأكملها.
لكن المؤلف جعله غبيا ضعيفا ركيكا، انهزم بمجرد وصول خبر غير واضح الملامح وغير مؤكد، ولم يتوجه لمن هم بمقامه كتحسين بك أو قائم مقام بل لبوشكاش الذي يخاف منه، ثم في وقت قصير تتحول شخصية الرجل القوي إلى منهزم بدأ ينهار وكان ذاهب لأبنه بدون أن يأتي خبر جديد أو حدث يضاعف حالته النفسية ثم يصمت عن الكلام في نفس اليوم عندما أخذوه لمنزله ثم يقوم الليل للحوار مع أمه من دون أي مبرر نفسي لخروجه من الأزمة..
وفي تحليلي لكل شخصية مثل بكار” كبطل” ونجمة “كشخصية قوية” وفجعة “كمجرم” وجوهر “كلئيم”، فالمشاكل كثيرة والانفعالات والأحداث كلها ارتجالية لدى المؤلف لم تستند على أي قواعد مهنية في التأليف، ولو كان (القدسي) يفهم في التأليف الدرامي، لكان قد بنى الأبعاد المكونة لكل شخصية قبل البدء في كتابة التابع أو القصة وكانت هي بتلقائية ستمنحه حيوية في الأحداث والحبكات وتوازيها وتواترها.
المؤلف لا يشعر بالزمن و “المنطق الزمني ” مضطرب ومختل.
يتضح ذلك في عدة مواقف وتباين في الأحداث وتناولها ما بين تقديم وتأخير، وسأذكر مثالا:
الجدة ولاية في الحلقة الأولى من هذا المسلسل(ربيع المخا) تقلق على حفيدها “سيف”؛ لأن رحلته تستغرق أسبوع بينما تأخر عليهم ١٠ أيام، ثم تأتي نفس الممثلة بعد ثمان حلقات وأحداث عديدة توضح أن عددا من الأيام مضت لتعيد العبارة أنها شعرت بمكروه يحصل لحفيدها لأنه غاب ١٠ ايام “طيب والثمان الحلقات ياحجة مو نقله”.
يفتقر المؤلف لعنصر المفاجئة “بل يحرق عناصر قوته بيده”.
كان المؤلف يرفع من وتيرة التوتر في مدينة المخا على سيف والكل يشارك في الأحداث والخبر يتسع بين المواطنين والدرك والتجار، وبدلا من أن يخلق لغز غامض عند سيف ويخفيه، ينقلنا بين كل مشهدين أو ثلاثة إلى سيف الذي يتحدث عن أمجاد البن هو ورفيقه ويسردون الحكم وينظرون بأمجاد اليمن، في توقيت درامي غير مناسب البتة فيقتل الحماس الذي خلقه قبل دقائق في مدينة المخا.
ختاما:
أتمنى من القنوات اليمنية، أن تترك للشباب اليمني، فرص الكتابة ولو تبتعث شباب للتدرب على كتابة الدراما، وأن لا نستهين بعقلية المواطن الذي يختلف عن مواطن زمان؛ فالمواطن اليمني بات مطلع على العالم وإنتاجاته، وأصبح يشعر بالفارق الزمني بينكم وبين من يحترمون عقلية المشاهد.