لا يُعرف عن بانسكي الكثير ، سوى أنه فنان ولد في بريطانيا بمدينة بريستول عام 1974م ، ولمع نجمه واشتهرت أعماله في فترة التسعينات .
هذا الغموض الذي أحاط ببانسكي جعل منه لغزًا حقيقيًا ، حيث ترك لأعماله الشهرة دون أن يظهر هو تحت الأضواء ، فقد حققت أعماله ملايين الجنيهات ، حتى أنه قد دُعي لتسلم جائزة أعظم فنان يعيش في بريطانيا عام 2007م ، ولكنه لم يحضر لتسلمها .
وقد ظهر بانسكي في حانة صغيرة بمدينة إيستون البريطانية ، تلك الحانة يجتمع فيها كافة الفنانون والمثقفون لقضاء سهرات ليلية طويلة ، حتى الصباح الباكر حيث اعتاد بانسكي ذو السابعة والثلاثين ربيعًا أن يجلس بها ، وكانوا يلقبونه بروبن بانسكي ، ولم يتوقعوا أن يصير واحدًا من أشهر فناني الجرافيتي بالقرن الحادي والعشرين ، وصارت أعماله تباع بمئات الآلاف من الدولارات .
كانت الحانة الصغيرة تبعد بضعة أميال عن منزل بانسكي في مدينة إيستون ، حيث كان يقطع حوالي عشر دقائق في الوصول إليها ، وقد اشتملت على العديد من أعلام السياسة ، ومنشورات اليسار السياسي ، وكل ما كان له علاقة بشعارات التضامن ، مما ألهم بانسكي سياسيًا ، وساعد في تشكيل فكره .
فانطلق مع فريق كرة قدم صعد من تلك الحانة ، إلى جولة في جبال المكسيك للدفاع والتضامن والمشاركة مع جيش زاباتيستا ؛ وهو جيش التحرير الوطني في المكسيك ، وبذلك كانت ثقافة بانسكي السياسية قد تمحورت بشأن التضامن مع كافة الفقراء واللاجئين والمهمشين حول العالم .
في عام 1994م اندلعت حركة انتفاضة ثورية مسلحة بالمكسيك ، وذلك من أجل تمكين الفلاحين والفقراء من الحصول على نصيبهم في موارد الإقليم ، وبالتالي كانت الجداريات التي قام بها بانسكي في تلك المنطقة هي أولى أعماله الفنية السياسية حول العالم .
وكانت أهم نتائج هذه الرحلة ، هو إنشاء أول مجموعة تضامنية أطلق عليها مجموعة كيب تيك ، والتي استهدفت جمع الأموال والمساعدات من أجل أهالي ولاية تثيباس ، لجلب مياه شرب نظيفة لهم ، فنظم فريق رعاة البقر الذي انضم له بانسكي عددًا من مباريات كرة القدم ، يذهب ريعها ومقابل بيع تذاكرها إلى أهلي تلك المنطقة ، ولكن لسوء حظ الفريق لم تباع تذاكر تلك المباريات .
وفي تلك الأثناء قام بانسكي بطبع صور الجداريات التي رسمها ، على ملابس بيعت بمبلغ قدره خمسة عشر ألف دولار ، وهذا ما مكن الفريق من مساعدة الأهالي بالفعل ، بعد فشل مشروع المباريات التضامني الذي اقترحوه .
وكان هذا الأمر أشبه بتكوين فريق من المجهولين ، لا ينتمون إلى بلد واحد بل كان الفريق عبارة عن مجموعة من البلدان يمثلها أشخاص مختلفون تمامًا ، لا يحملون سوى فرشهم ، فيقومون بأعمالهم الفنية ويعبرون عن آرائهم السياسية بالرسم .
ومن أشهر قواعد رسوم الجرافيتي على الجدران ، أن تكون مجهول الهوية لا يعرفك أحد سوى ببعض الرموز التي تشير بها إلى فنك ، وكان لكل فنان من هؤلاء المجهولين توقيعه المستعار الخاص به ، فالبعض كان يميز نفسه بالأسهم والآخر بالحروف ، أو استخدام ألوان محددة في رسومه ، حتى بات الأمر أشبه بحرب الجرافيتي .
وهنا بدأ يظهر بانكسي على أرض الواقع ، حثي امتلأت جداريات مدينتي بريستول وإيستون بأعماله الواضحة ، والتي بقي بعضها حاضرًا أمام الأعين حتى الآن ، وانطلق بانكسي نحو عالم الشهرة عندما بدأت ألوانه في غزو الجدران بالشوارع ، داخل أكبر المدن حول العالم ومنها ديترويت ، وباريس ، وغزة ، وسان فرانسسيكو ، والجدار العازل بين إسرائيل والضفة الغربية لدولة فلسطين الشقيقة .
فأعماله داخل تلك المدن جعلت شهرته تخطت كافة حدود العالم ، على الرغم من هويته المجهولة ، حتى أن وسائل الإعلام ذاتها قد أخذت على محملها البحث عن صاحب تلك الرسوم بحلول عام 2008م بشكل جدي .
بلغ هوس الإعلام للكشف عن هوية بانكسي مبلغه ، حيث استخدموا كافة الوسائل التكنولوجية الحديثة من أجل التوصل إلى أقرب ملامح تخيلية له ، فقاموا بتتبع خط سير أعماله ، حتى توصلوا إلى الحانة التي كان يجلس بين روادها ، في مدينة إيستون ومن خلال ربط كافة المعلومات التي حصلوا عليها ، توصلوا إلى أن بانكسي هو نفسه روبن جونينجهام .
واعتبرت وسائل الإعلام هذا الكشف عن هوية بانكسي ، نصر عظيم قد تحقق لها ، حيث انتشر اسمه على مواقع التواصل الاجتماعي ، وتناقلته المواقع الإخبارية واشتعلت الصحف بتناقل خبر لكشف عن هوية بانكسي الحقيقية .
فيما قابل بانكسي هذا الأمر بالصمت دون أن يتفوه بشيء ، وترك الأمر للتشكيك دون تأكيد أو رفض للمعلومة المنتشرة ، في محاولة منه لإبقاء الأمر سرًا كما هو ، حتى تتجاهله وسائل الإعلام رغمًا عنها مع أول خبر أو حدث أقوى من ذلك .