تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » “فتاة المنصورة”.. و”الفن القاتل”

“فتاة المنصورة”.. و”الفن القاتل”

"فتاة المنصورة".. و"الفن القاتل"

 

أيمن شعبان*

“جريمة سينمائية” باقتدار تلك التي هزت الشارع المصري ظهر أمس، فمثلما كانت خاطفة، كان انتشار مقطعها المصور متصاعدًا كالنار في الهشيم.

يُظهر الفيديو لحظة في منتهى القسوة، لا يستطيع العقل الطبيعي استيعابها، فتاة في مقتبل العمر تسير وأمامها مستقبل مُحمّل بالأمنيّات والأحلام، وفجأة يباغتها مجرمٌ وينحرُها، لتنهار، وينهار معها الكثير.

مشهد الجريمة، العالق في الأذهان، لا يمكن أبدًا اختزاله في جريمة عابرة، من مجرم عابر، سينال عقابه في محاكمة عابرة، وتتلاشى مع الوقت تلك الصدمة، لتصبح واحدة من صدمات عدة عابرة هي الأخرى.

وحتى تكتمل الصورة، لا أجد مفرًّا من تقمُّص شخصية ذلك المجرم العابر، الذي يبدو أنه شاهد جيدا بطلا مثل “عبده موتة” وتأثر بكفاح “البلطجي” في سبيل فرض سيطرته بقوة “السلاح الأبيض”، أو “الألماني” الذي فقد حبيبته ذبحًا في مشهد النهاية المأسوي، ليقرر الانتقام ويذبح الجاني، وبالمناسبة البطل في الحالتين كان “الفنان” المصري محمد رمضان.

وربما شاهد الجاني فيلم “إبراهيم الأبيض”، وأعجبته شخصية “البطل الذي صال وجال وخاض حروبًا ضارية بالسلاح الأبيض” من أجل الانتقام، أو تحقيق حلمه ولم الشمل مع محبوبته “حورية”.. هذه المرة كان البطل هو “الفنان” المصري “أحمد السقا”، ومن المحتمل أن يكون مجرم فتاة المنصورة جذبته شخصية “عشري”، الصديق الخائن صاحب القلب الميت صاحب مبدأ “واللي قلبه ميت يعمل إيه؟ يقعد في البيت؟.. يخيط بروفلات؟ ويناكف في الجيران؟!”.

صباح يوم الحادث، وفي سيناريو تخيلي ربما يمت للواقع بصلة، قرر الجاني تقمص شخصية “عبده موتة”، أو “الألماني” أو “إبراهيم الأبيض” -لا فرق- واستل “سلاحه الأبيض”، العامل المشترك بين أبطال حياته وقدوته، واستقل إحدى وسائل النقل، ولمصادفة مرتبة كانت على رأس أغنياته المفضلة تلك التي تقول: “عشان تبقي تقولي لأ”، التي يتغنّى بها “الفنان” المصري تميم يونس، وسطر كلماتها بنفسه أيضًا.

مؤكد أن بعض تلك التفاصيل من محض خيال كاتبها، لكنها وبحكم تلك الجرائم المتواترة في المجتمع المصري بذلك النمط المتصاعد بشاعةً، تحققت على أرض الواقع وأثبتت أثرها، فالفن ليس للترفيه فقط، وكما أن له أحيانا رسالة سامية في الارتقاء بالذوق العام، عندما ينحرف عن مساره يخلق “فنا قاتلا”.

فتاة مدينة المنصورة في مصر قتلها مجرمٌ، أمسكت به السلطات، فالفاعل الأصلي واضح ومعروف وصوّرته الكاميرا، لكن ماذا عن الذين أوصلوا السكين ليده؟، ماذا عمّن أقنعوه بأنه “بطل” لا يمكن أن يُرفض؟، ومَن الذين زرعوا بداخله أن “البلطجي قدوة”؟.. نعم قتلها وحده بيده، لكن أيدي أهل الفن من ذوي السلاح الأبيض والكلمات السوداء كانت تسبقه إلى دمائها.

*صحافي وكاتب مصري