ارتبط اسم الفنان كونستنتاين هانسن (1804 – 1880) بالعصر الذهبي الدنماركي، أما اسمه الحقيقي فهو كارل كريستيان كونستانتين، كان له اهتمام بالأدب والأساطير، وقد تأثر بأفكار نيلز لوريتس أندرياس (1798 – 1870) أول مؤرخ وناقد دنماركي للفن. وكان له تأثير كبير في الفنانين المعاصرين، حيث برز نيلز حينذاك كأحد موجهي تطور الفن الدنماركي خلال منتصف القرن التاسع عشر.
ولد الفنان الدنماركي كونستنتاين هانسن في روما، وهو ابن الرسام هانز هانسن، في صغره انتقلت عائلته إلى فيينا، وبعد بلوغه العام الأول انتقلت العائلة إلى العاصمة الدنماركية كوبنهاغن، في سن 12 عاماً التحق أولاً بالمدرسة المعمارية التابعة للأكاديمية الملكية الدنماركية للفنون، لكنه غير مسار دراسته إلى الرسم وهو في سن 21.
كانت أبرز المحطات الفنية في حياة هانسن كمصور محترف، هو تدريبه على يد كريستوفر فيلهلم إيكرسبرج (1783–1853) الذي يشار إليه دائماً تحت مسمى (أب الفن الدنماركي).
فقد هانسن والديه وهو في العشرينات، ما دفعه لإعالة أسرته، فقام أولاً بنسخ مجموعة بورتريهات في قصر «فريدريكسبورج».
في عام 1835، تمكن من الحصول على منحة مالية لمدة عامين للسفر إلى الخارج، فزار برلين ودرسدن وبراغ ونورمبرغ وميونيخ في طريقه إلى إيطاليا، حيث مكث لفترات طويلة في روما ونابولي، وفي إيطاليا التقى بزميله الدانماركي، النحات بيرتل ثورفالدسن، كما تجول مع فنانين دنماركيين آخرين، من بينهم الرسام والمزخرف جورج هيلكر (1807-1875).
في 1837 طلب اتحاد الفن في كوبنهاغن من هانسن رسم لوحة من اختياره، فقدم لوحة باسم (مجموعة الفنانين في روما) وهذه اللوحة محفوظة في المتحف الوطني الدنماركي، وفي تلك الفترة رسم مشاهد من الحياة الشعبية في إيطاليا، كما قضى وقتا في دراسة الآثار والعمارة الرومانية، التي كانت تعكس روح معلمه إيكرسبيرج.
* مجموعة الفنانين
(مجموعة الفنانين في روما) لوحة زيتية لهانسن، تصور مجموعة من الفنانين والمهندسين المعماريين الدنماركيين في غرفة فندق بروما وهؤلاء هم: الفنان نفسه، مايكل بينديسبول، مارتينوس رورباي، فيلهلم مارستراند، ألبرت كوشلر، ديتليف بلونك، ويورغن سون.
اجتمع هؤلاء لمناقشة قضايا الفن والعمارة، وفي التفاصيل التي تشرح اللوحة، يتحدث المهندس المعماري بيندسبول عن رحلاته الأخيرة في اليونان، حين كانت منطقة غير مألوفة لمعظم الأوروبيين بسبب وقوعها لسنوات عديدة تحت الاحتلال التركي، ويستمع الفنانون الآخرون إلى بينديسبول بدرجات متفاوتة من الاهتمام.
بذل هانسن، جهدا ملحوظا لإبراز تفاصيل المشهد، وكان دقيقا جدا في الاعتناء بملامح الشخصيات، وهم في الغالب أصدقاء الفنان، حيث يظهر في اللوحة زميله الفنان ألبرت كوشلر (الثالث في اللوحة من جهة اليمين) ويظهر هانسن نفسه (جالسا على الكرسي من جهة اليسار).
اللوحة تجسد صورة حية من واقع الحياة الفنية والثقافية الجادة في روما في تلك الفترة، حيث كانت الفنون تشق طريقها بقوة في القرن التاسع عشر، وكانت الحياة بشكل عام، تكاد تخلو من الهموم السياسية، وقد شاهد اللوحة كما ورد في كثير من التعليقات عدد كبير من عشاق الفن في الدنمارك.
*معمار فني
الأسلوب الذي اتبعه هانسن في اللوحة، كما في معظم أعماله، عبر بصورة واضحة عن الطراز الفريد للعصر الذهبي الدنماركي، فثمة تباين واضح في الألوان، وحرفية في استخدام انعكاسات الضوء داخل المشهد المرسوم، وعادة ما يكون الملمح العام للمنظر أو المشهد عبارة عن نسخة مثالية عن الواقع، حتى أن بعض لوحات هذا الفنان، وهذه اللوحة ليست استثناء، تبدو واقعية جدا، ومن ذلك ما نلحظه من تركيزه على المشاهد الصغيرة والداخلية في العمل، كما هو في الأثاث، من مناضد، ومقاعد، وتفاصيل أخرى ثانوية، وكما يظهر أيضا أنبوب التدخين الخشبي الطويل، الذي يستخدمه أكثر من فنان في المشهد، وكما هو واضح في آنية القهوة والفناجين الصغيرة وغيرها.
وقد برع هانسن كذلك في إبراز الزي الذي كان مستخدما في تلك الفترة، كما يظهر في القبعة الأوروبية، وكذلك في القبعة الحمراء (المغربية) التي يرتديها أحد الفنانين الجالس على الأرض من جهة اليسار.
الفنانون الذين يظهرون في اللوحة، هم من الدائرة المقربة لهانسن، وهو على معرفة مسبقة بحركاتهم وسكناتهم، الأمر الذي ساعده على تقديم عمل يمزج بين الواقعية والوضوح على نحو شاعري، حيث باتت اللوحة واحدة من علامات الفن الدنماركي في القرن التاسع عشر.
بعد ثماني سنوات في إيطاليا، عاد هانسن أخيراً إلى الدنمارك، وأقام لفترة وجيزة في ميونيخ، حيث درس تقنية الرسم على الجص، في انتظار تكليفه مع جورج هيلكر لتزيين ردهة جامعة كوبنهاغن، واستمر هذا العمل من عام 1844 حتى عام 1853. رسم هانسن الأشكال الأسطورية، بينما رسم هيلكر مجموعة من الزخارف والأطر، في عام 1854 تم تعيينه أستاذا في الأكاديمية الملكية الدنماركية للفنون، وبعد عشر سنوات أصبح عضوا في الأكاديمية وذلك في 1864.
*قوس تيتوس
خلال الفترة التي قضاها هانسن في روما، أنجز رسومات زيتية في الهواء الطلق، وحاول أن يتحرر من قيود معاصريه، خاصة في الأسلوب والتكوين النهائي للعمل.
ومن هذه الأعمال المهمة التي تبرز فيها ملامح الحرية والأصالة إنجازه للوحة «قوس تيتوس» (زيت على قماش) وقوس تيتوس، هو في الأصل منحوتة رخامية تعود إلى القرن الأول للميلاد، شيدت في شارع «فيا ساكرا» في روما، إلى الجنوب الشرقي من الميدان الروماني سنة 82 م من قبل الامبراطور الروماني دوميتيان، بعد وقت قصير من وفاة شقيقه الأكبر تيتوس، وهو بعرض 13.50 م، ويعلو 15.40 م، وبعمق 4.75 م.
وصحيح أن هانسن، قد تأثر بمعلمه إكسبيرغ، خاصة من جهة الدراسات المعمارية الرومانية، لكن هانسن ذهب أبعد من إكسبيرغ، حيث فصل الشكل المعماري عن الوظيفة التقليدية المرتبطة بالمبنى، كاسرا معايير نظام الألوان، ومبرزا لشحنة من الإحساس الرائع بالأشكال الدقيقة والمتغيرة لأشعة الشمس والظلال، وهي ذات التقنية التي استخدمها الانطباعيون بعد 30 عاما.
*ذكرى
في خريف عام 2020، احتفلت فرنسا بذكرى هانسن من خلال معرض فني أقيم في القصر الصغير بباريس احتفالا بالعصر الذهبي للرسم الدنماركي، وضم المعرض الذي نظمه المتحف الوطني في استوكهولم والمتحف الوطني الدنماركي وقصر بيتي، أكثر من 200 عمل لفنانين بارزين في هذه الفترة، بينهم كريستوفر إيكرسبرغ وكريستين كوبكي ومارتينوس رورباي وكونستانتين هانسن. وقد استفاد المعرض من البحوث التي أجريت على مدى سنوات عديدة، وقدم تحليلاً شاملاً لهذه الفترة مركزاً على الموضوعات والظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية في الدنمارك في القرن 19 وقدم المعرض نظرة عامة موسعة على الموضوعات المألوفة، كالحياة في كوبنهاغن، والفنان في العمل، ورسم المناظر الطبيعية والعائلة وغيرها.