تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » عن أزمة الشخصيات في مسلسل العالية

عن أزمة الشخصيات في مسلسل العالية

عن أزمة الشخصيات في مسلسل العالية

زهير الطاهري*

أشواق علي، هذه البنت لا تمثل أبدا، إنها تقف أمام الكاميرا فقط، وتنساها تماما بعد أول أكشن، لذا تبدو وكأنها تقف أمامك لا أمام الكاميرا، بلا تكلف ولا توتر، حتى تكاد تشعر أنه لا فرق بينها في الواقع والتلفزيون، لكنها لا تقدم شخصية فنية، فهي لم تبتعد عن ذاتها كثيرا، ومن يعرفها حقيقة سيدرك ذلك.
الفنان يحب أن ينخرط في الشخصية حتى يصبح هو الشخصية، وهذه الميزة. وهو خطأ أيضا، حين لا يوجد شخصية محددة وواضحة لتنخرط فيها، فيقدم الفنان شخصيته الحقيقية، وهذا ما يفعله أغلب ممثلي مسلسل العالية، وهنا يكرر الفنان نفسه مع الأيام، وهذا ما يبدو، فلا فرق بين ضبية في العالية وبين شمسية في ربيع المخا، إذن، لقد بدأت البنت بتكرار نفسها، وهذا ليس عيبها، بل هو ما يعكس غياب المخرج والكاتب، ولو غيابا جزئيا، فقد ظهرت لمساتهم في أجزاء كثيرة من المسلسل.

فالكاتب الذي أنهمك في صناعة الأحداث وتواترها بسلاسة رائعة، وذهب في حبكة فنية مدهشة ومثيرة، ترك الشخصيات تصنع نفسها بمفردها، هكذا تركها بلا ملامح واضحة ومحددة، فأكملها الفنان بحضور شخصيته الحقيقية، أو ربما أنه قام بتصميمها على مقاييسهم، وهنا تساهل واضح منه، فصناعة شخصية بأثر رجعي إلى شخصية الفنان نفسه هو عجز الكاتب عن صناعة شخصيات درامية، أو تخوف من عدم استيعاب الفنان لشخصيته الفنية، فيتكلف أو يفشل في أدائها، هو خطأ في النهاية، وتساهل منهم، تساهل في تصميم شخصيات واضحة، أو في إعداد الفنانين لاستيعابها، في ما يسمى بالباعث المكون، وهو رسم خطوط معينة لسلوكيات الفنانين قبل التمثيل، تؤهلهم لاستيعاب الشخصية، وهذا تساهل من المخرج؛ لذا جاءت الشخصيات صورا كاريكاتورية عن الفنانين أنفسهم، في استنساخ عجيب لهم، حتى ليكاد يبدو المسلسل بشخصياته كوكتيلا عجيبا من عدة مسلسلات متفرقة، ظهر فيها الفنانون من قبل.

أستثني منى الأصبحي وحسام الشراعي، وانظر هل ما يقدمه البقية هي شخصيات درامية أم يقدمون أنفسهم. فمنى تقدم شخصية فنية مكتملة بخلاف البقية، وقد أبدعت في أدائها بشكل مدهش، تؤدي شخصية نرجسية متسلطة كما ينبغي للشخصية أن تكون، بكل انفعالاتها النفسية وتصرفاتها الاجتماعية، شخصية المرأة القوية المتسلطة التي لا يجب أن يحدث شيء بدون علمها، ولا أظن أن هذه شخصيتها الحقيقية.

أما حسام فلكونه الوجه الجديد في المسلسل، ولم نعرفه في أعمال سابقة ولا في الواقع، لكن ما قدمه يبدو جيدا حتى الآن، فقد قدم شخصية العاشق القروي، شخصية مكتملة نفسيا واجتماعيا، وقد انصهر فيها تماما، وأجاد الدور بشكل عفوي، لكن السؤال: هل هذه شخصية درامية أم هو حسام ذاته؟ هذا ما ستكشفه لنا الأعمال القادمة، مع توقعي أن يتم تحنيطه بهذه الشخصية في كل الأعمال القادمة، كما حدث مع أشواق علي تماما. فالكاتب يستسهل توفر شخصية جاهزة، وبدلا من صناعة شخصيات جديدة تنسجم مع الأحداث، يستخدم الموجود فقط، بل وربما ذهب إلى تكييف الأحداث والحبكة بما يتفق مع هذه الشخصيات المتوفرة لديه.

في النهاية، يبقى المسلسل عملا مميزا، بذل فيه المخرج وليد العلفي جهدا كبيرا ليظهر بهذا الشكل من الانسجام بين الأحداث وشخصيات المسلسل برغم ما سبق، فهي تبدو منسجمة على كل حال، فالملابس واللهجة منسجمة مع الزمان والمكان، وقد ظهرت لمسات المخرج في بناء الشخصيات من الجانب الخارجي على الأقل، فلا وجود لشخصية لا تتفق مع دورها، إذن، فهو مسلسل جيد، بذل فيه المخرج جهودا كبيرة وحيلا شتى لتجنب الأخطاء، بخلاف ما اعتدنا من قبل، ولا يجب أن نحاكمه بالقواعد المثالية، فيكفي أنه قفزة في مستوى الدراما اليمنية، حتى ما اعتبرناه عيبا، قد يبدو من الجانب الآخر حيلة درامية، لتجنب أخطاء كان ممكن أن تقع، لكنها تعتبر وأدًا متعمدًا لشخصيات درامية كان يجب أن تولد، واغتيال لمستقبل الفنانين بالتكرار، وعدم تأهيلهم لاستيعاب الشخصيات، فالفنان الذي يعتاد تقديم شخصيته دائما، يحفظه الجمهور ويدركون ماذا سيفعل، ويصبح مملا، فضلا عن عدم قدرته على مغادرة هذه الشخصية في قادم الأيام، وعجزه عن تقديم شخصية أخرى.

قد أكون مجحفا في محاكمة أبطال هذا المسلسل، فلو نظرنا إلى الدراما العربية سنجد محمد رمضان في مسلسل “جعفر العمدة” ، مازال يكرر نفسه في كل مرة، فهو البطل الشعبي الخارق، الذي يطيح بالجميع، ويخطف عيون الفتيات، تكرار لشخصيته في “البرنس” وغيره، وهي شخصيته الحقيقية التي تلخصها أغنيته الشهيرة “نمبر ون”.

في النهاية نحن نحاكم مسلسلاتنا لأننا نريد لها الأفضل؛ ولأننا نثق بقدراتنا، فالطريقة التي ظهر بها مسلسل العالية، يجعلنا نثق بقدراتنا على تقديم أعمال تليق بنا.

*كاتب وناقد يمني