تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » وليد العلفي: الدراما اليمنية تعاني من أزمة نصّ

وليد العلفي: الدراما اليمنية تعاني من أزمة نصّ

وليد العلفي: الدراما اليمنية تعاني من أزمة نصّ

 

صدام الزيدي

في بيئة ريفية في اليمن، في فترة من القرن العشرين، من دون تحديد للزمن الفعلي، تنشأ قصة حب عفيفة بين شاب وفتاة في ظل قيود مجتمعية صعبة. تتطور العلاقة متحولة إلى مأساة بعد أن يصبح الاثنان أداة في صراع بين حاكم المنطقة وشيخ قرية “العالية”، بعد أن يسعى الحاكم للنيل من الشيخ عن طريق تلفيق قضية شرف ضد ابنته، سعيًا منه إلى ابتزازه، ودفعه إلى السكوت على ممارساته الفاسدة.
هذه هي قصة مسلسل درامي يمني اتخذ من “العالية” اسمًا له، ولعله اختيار يؤكد على شموخ وكبرياء الإنسان اليمني، قديمًا وحديثًا، عندما تعرض قناتا “يمن شباب” اليمنية، و”العربي2″، عملًا دراميًا محتشدًا بالكفاح وصلف العيش في سبيل الكرامة والانعتاق. ومن هنا اتجهت أنظار المشاهدين في ليالي رمضان هذا الموسم لمتابعة “العالية” الذي شق طريقه إلى اهتماماتهم متصدرًا إحصائيات المسلسلات الأعلى مشاهدةً على يوتيوب من بين (22) عملًا دراميًا تتنافس لإرضاء مشاهد لطالما كان حلمه أن يرى تفاعلًا جادًا يحدث نقلة في مسيرة الدراما في بلد تتآكله الحرب والمجاعات والهزائم منذ أمد بعيد.

في الحوار التالي، يتحدث المخرج اليمني وليد العُلفي عن مشوار مضيء في الإخراج تُوِّج حتى الآن بحزمة أعمال درامية تحمل توقيعه كمخرج، نذكر منها: “العالية”؛ “ربيع المخاء”؛ “خلف الشمس”؛ “غربة البُنّ”؛ “الدلّال”.
وهذا الحوار مع المخرج العلفي، سنعده مفتتحًا لملف يبحث عن إجابة لسؤال مؤرِّق: الدراما اليمنية، متى ستنافس عربيًا، ولماذا هي موسمية؟ وهل تفلّتت من التكرار والتقليد والتناسخ ومراوحة الفشل؟ هنا، نص الحوار:

(*) لنبدأ الحديث من “العالية”، وهو أحدث عمل درامي من إخراجك، الذي يعرض حاليًا على قناتي “المهرية” اليمنية، و”العربي2″ القطرية، ما هي أسباب نجاحه؟
نجاح مسلسل “العالية” يعود إلى النص المترابط الجيد، وجودة القصة، والعاطفة في العمل. سر نجاح أي عمل في العالم هو النص، إضافة إلى اكتمال العناصر الفنية، الإخراج، ونحو ذلك.

(*) كيف وجد المسلسل طريقه إلى قناة عربية، بالتزامن مع عرضه في قناة يمنية، كأول مسلسل يمني يشهد هذه التجربة؟
عرض المسلسل في قناة “العربي2” تم بالتنسيق مع مدير قناة “يمن شباب”، الدكتور وسيم القرشي، الذي أرسل لهم أربع حلقات، فأعجبوا بالعمل، ووجدوه مكتملًا فنيًا، وأعجبتهم القصة، والحمد لله… طبعًا، هذا نجاح للدراما اليمنية، ويمثل خطوة جبارة، لأن كثيرين كانوا يرون مثل هذا الأمر بمثابة “حلم”، فالدراما اليمنية، عادة، محلية فقط، لكنها تخرج الآن إلى الفضاء العربي، وهذا يعطي حافزًا لكثير من القنوات وشركات الإنتاج كي تتوجه إلى الإنتاج بالتعاون مع جهات غير يمنية.

(*) ثمة لمسة خاصة في أعمالك تطبعها بالنجاح دومًا.
دائمًا النجاح هو توفيق من الله. في كثير من الأعمال أشارك في كتابة النص، فالنص يأتي في المقام الأول، لأن نجاح أي عمل درامي لا يكتمل إلا بوجود نص قوي وفكرة قوية.
أحرص على اختيار الأفكار القوية، وأبحث عن الأفكار التي تهمّ الناس، وتكون قريبة منهم. إضافةً إلى أن الخبرة التراكمية من عمل إلى آخر تجعلنا نقدم عملًا جيدًا، بالاستفادة من أخطائنا، ومن تجاربنا.

“نجاح أي عمل درامي لا يكتمل إلا بوجود نص قوي وفكرة قوية”

أبحث دائمًا عن الملاحظات النقدية، وآراء الناس حول العمل، وحول الأخطاء. في كل عمل، أحاول أن أطوّر النص، و أعمل على تحسين المستوى الفني.

(*) لنتحدث عن هموم الدراما اليمنية. لماذا هي موسمية؟ وهل آن الأوان للتفلت من “اللازمة الفكاهية” التي يرى فيها كثيرون أداة تدمير وإضعاف لأي عمل درامي؟
هي موسمية لأن الانتاج الدرامي مكلِّف جدًا. القنوات تحشد كل إمكانياتها لإنتاج عمل في كل عام. بعض القنوات كـ”يمن شباب”، أو “السعيدة”، نادرًا ما تنتج عملين، لأن الإنتاج الدرامي مكلف. أيضًا، هنالك صعوبة إيجاد نصوص جاهزة للإنتاج. كثير من القنوات تفضل إنتاج حلقات قصيرة، وأعمال خفيفة، على مدار العام. نحن نعاني من إيجاد نصوص صالحة للإنتاج.في ما يتعلق بـ”اللازمة الفكاهية”، أنا أعتقد أنه آن الأوان للتخلص منها. كانت تجربة مسلسل “خلف الشمس” أول التجارب التي تخطت ذلك. نجح العمل نجاحًا كبيرًا، فأجبر كثيرًا من القنوات على التوجه إلى أعمال درامية بعيدة عن اللمسة الفكاهية، وبعيدًا عن مطلب المعلنين بإنتاج أعمال فكاهية، متأثرين بأعمال درامية سابقة، مثل مسلسل “كيني ميني”، الذي هو من أشهر الأعمال التي نجحت من إخراج الدكتور فضل العلفي، أو مسلسل “همّي همّك” للمخرج فلاح الجبوري. القنوات تعتقد أن مطلب الجماهير الأول هو الفكاهة، لكن اكتشفوا، واكتشفنا جميعًا، في ما بعد أن الأعمال الدرامية هي المطلب الجماهيري، وليس الأعمال الكوميدية. وأصبح الجمهور ينزعج من كثير من الأعمال المبالغ فيها بالكوميديا، والتي يشعرون أنها تنتقص من شخصية الإنسان اليمني.

(*) يمكن القول إنه بعد مرور عشر سنوات على تخرجك في كلية الفنون الجميلة في جامعة الحديدة (بكالوريوس فنون إذاعية وتلفزيونية/ 2006)، كانت”الانطلاقة الفعلية” لكم في مسلسل “الدلال”… أين كنت، وأي أحلام وأفكار شغلتك طيلة تلك الفترة؟
منذ تخرجي في 2006، اشتغلت في الإنتاج مع المخرج المعروف فضل العلفي، الذي اشتغل سلسلة “كيني ميني”، و”عيني عينك”، وكثير من الأعمال. كنت أشتغل معه كمدير إنتاج، وكمدير تنفيذي لشركة (روزانا)، وأيضًا كمدرب في الإخراج. اكتسبت من عملي هذا خبرة كافية، وكان حلمي الأول أن أكون مخرج دراما، حتى أتت الفرصة، فبدأت في 2015 من مسلسل “ثمن الحرية”، ثم مسلسل “هفّة”، ثم “الدلّال”، وباقي الأعمال.

(*) في غضون سبع سنوات، أنجزت 10 مسلسلات. كيف تُقيِّم من زاوية شخصية تطور تجربة الإخراج الدرامي لديك؟ وأي عمل وجدت نفسك أكثر رضىً عنه؟
كل عمل كان يضيف للعمل الآخر، ويختلف عنه فنيًا من نواحٍ عدة، سواء من ناحية النص، أو من ناحية الرؤية الإخراجية، أو من ناحية المتطلبات الفنية.
الأعمال التي قدمناها، خاصة من مسلسل “الدلّال” فصاعدًا، أجبرت المنتجين على المنافسة في تطوير الأعمال الدرامية، سواءً “يمن شباب”، أو “السعيدة”، وغيرهما من القنوات، إذ لم يكن هناك قبل ذلك اهتمام كبير بالنواحي الفنية في كثير من المسلسلات.

(*) “الدلّال”، إذًا، كان نقطة تحوّل حقيقية.
فعلًا، مسلسل “الدلّال” يعد نقطة تحول في الدراما اليمنية، وهذا ما أشارت إليه الصحافية اليمنية منى صفوان، عندما قالت إن تقييم الدراما اليمنية ينبغي أن يكون في ما قبل مسلسل “الدلّال”، وما بعده. وبالفعل، توجهت مختلف القنوات التلفزيونية اليمنية إلى طوير العمل الفني.
كان لدينا مشاكل كثيرة في قلة عدد الفنيين، الإضاءة، أو التصوير، أو الأدوات الحديثة.
في كل عام، وبسبب المنافسة الشديدة، كانت كل القنوات تطور في كثير من الجوانب، إلى أن وصلت الدراما اليمنية هذا العام إلى مراحل متطورة من ناحية الصورة، مع أن النص لا يزال مشكلتنا. لكن هنالك تطور كبير على مستوى الصورة، لأن الصورة أصبحت تنافس، وهذا هو سبب قبول مسلسل “العالية” للعرض في قناة “العربي2″، والمعروف أن “العربي 2” لا يقبلون إلا أعمالًا ذات معايير فنية كبيرة جدًا.
على الصعيد الشخصي، أصبحت التجارب الإخراجية تضيف لي كثيرًا، بحيث تجاوزت كثيرًا من الأخطاء. ولهذا ستلاحظ أن مسلسل “العالية” خالٍ من الأخطاء، تقريبًا، إلى حد ما. يمكن القول إن العمل مكتمل فنيًا، وهذا ما شجع قناة “يمن شباب” للتحضير لأعمال قادمة بالتعاون معنا. وبمشيئة الله، سنطور العمل الجديد بآلات سينمائية حديثة من ناحية الحركة والأدوات.
أنا راضٍ عن كثير من الأعمال التي قمت بإخراجها، وأراها مثل أولادي. أنا راضٍ عن مسلسل “الدلال”، وأحبه كثيرًا، وأحب مسلسل “غربة البُنّ”، ومسلسل “خلف الشمس”، وكذلك “ربيع المخاء”، و”العالية”. وكل مسلسل أخرجته، أرى فيه أنه يشكل لي شيئا ما في حياتي.

(*) أخرجت أفلاما روائية ووثائقية قصيرة، فيديو كليب، فلاشات، سلاسل وثائقية، وبرامج تلفزيونية. هذه التوليفة من الأعمال كيف تُكسِب المخرج تفاعلية واحترافية أكثر، من واقع تجربتك؟
قبل الدراما، وأثناء الدراما، اشتغلت كثيرًا من الأعمال، كالفلاشات، والأفلام القصيرة. هذه لم تكن المرحلة الأولى قبل التحول إلى إخراج المسلسلات الدرامية الكبيرة، فالمخرج يحتاج إلى كثير من الخبرة، عبر الأعمال الوثائقية، والفلاشات، والبرامج. أنا جربت في كل الأنواع، ووجدت نفسي في الدراما. الآن، تجاوزت ذلك إلى تخصصي في الدراما.
كل الأعمال تضيف إلى المخرج في جانب معين. وأعتقد أن الأفلام الروائية القصيرة هي أكثر الأنواع التي تُكسِب المخرج خبرة قبل التحول إلى العمل على المسلسلات الدرامية الطويلة.

(*) ما الذي ينقص الدراما اليمنية لتنافس عربيًا؟ وإلى أي مدى استفادت (أو لم تستفد) من تجارب عربية لافتة؟
الدراما اليمنية لا ينقصها إلا نص جيد، وإمكانيات. الإمكانيات أصبحت متوفرة، القنوات أصبحت توفر الإمكانيات بشكل كبير. نحن نحتاج إلى فترة زمنية أكبر لتنفيذ الأعمال. الموازنات تكون دائمًا محدودة. القنوات تقول لك: “عندي فترة شهرين لإنتاج مسلسل”، بينما كثير من المسلسلات تحتاج إلى فترة زمنية أكبر لتجويد العمل. النص الجيد، كما أسلفت، ضرورة، ومن دون نص جيد لا يمكنك إخراج عمل مكتمل، حتى لو اشتغلت بإمكانيات عالية جدًا.
بالنسبة لي، أنا أستفيد طبعًا من كثير من الأعمال العربية، أتابع المسلسلات المصرية، والسورية، وأتابع المسلسلات الأميركية، والإسبانية، والتركية. نتابع كثيرًا، ونستفيد كثيرًا من التجارب.
الدراما اليمنية قادرة على الخروج من إطار المحلية، أولًا، بتبسيط اللهجة، والعمل على (اللهجة البيضاء) المفهومة، مع أننا عرضنا مسلسل “العالية” وهو بلهجة (تعزّية) دارجة، والحمد لله لاقى قبولًا كبيرًا، لكن الأفضل أن تكون (لهجة بيضاء)، وأيضًا العمل بإمكانيات عالية، على مستوى الصورة. والأهم من كل ذلك هو التسويق، فلولا تسويق قناة “يمن شباب” لمسلسل “العالية” لما عُرِض في قناة عربية. التسويق مهم جدًا، والعلاقات مهمة جيدًا، والمشاركة في مهرجانات أيضًا مهمة جدًا للتعريف بالدراما اليمنية.

(*) كيف تتعامل مع النقد على منصات التواصل؟
أنا من المخرجين الذين يقومون بالبحث، بعد كل عمل. أقوم بعملية بحث يومية بعد عرض كل حلقة، سواء في فيسبوك، أو في متصفح (غوغل)، أفتش عن المقالات النقدية التي تتناول العمل، أقرأ التعليقات (على كل حلقة) من الجمهور، حتى على مستوى (يوتيوب). أنا مهتم جدًا. أنزعج أحيانًا من النقد السلبي والهجوم غير المتخصص، لكن في الأول والأخير نحن نستفيد من ملاحظات كثيرة، أستفيد من ملاحظات الجمهور، ماذا يريد الجمهور، وما هي الأخطاء التي وقعنا فيها؟

“أصبح الجمهور ينزعج من كثير من الأعمال المبالغ فيها بالكوميديا، والتي يشعرون أنها تنتقص من شخصية الإنسان اليمني”

على منصات التواصل، النقد البنّاء لا يتجاوز واحدًا في المئة، والباقي يمثل آراء أشخاص. النقد في اليمن ليس معيارًا كبيرًا جدًا نستند إليه، لكننا نتقبله ونستفيد من كثير من الملاحظات المطروحة في النقد.

(*) اليوم، في خضمّ فتوحات التكنولوجيا، ونجومية الصورة، وسهولة التواصل، ما زالت السينما حلمًا يمنيًا صعبًا: هل لدى وليد العلفي هاجس سينمائي؟
تظل السينما حلمًا يمنيًا. أنا أعشق السينما أكثر مما أعشق التلفزيون، لكن لم تحن الفرصة بعد، أولًا لأن الدراما والسينما هما صناعة. لا يوجد أحد سيموّلك، بغياب شركات الإنتاج ودور السينما، وهذه أهم أسباب ركود السينما في اليمن. لا توجد عندنا سينما، لأن السينما هي صناعة وتجارة تدخل في مجال الاقتصاد، ولا بد من دعم الدولة. لكن، لا توجد عندنا دولة، وبسبب الأوضاع السياسية والاقتصادية من الصعب تصوير فيلم وتسويقه داخل اليمن، لأنه لا يوجد أساسًا دور سينما…. هنالك تجربة نجحت مع عمرو جمال في عدن، عندما أنتج فيلمًا بدعم كثير من المنظمات والجهات، لكن الفيلم عُرض في قاعات أعراس. ومع أن تجربته نجحت، لكن مع ذلك هي تجارب فردية.
السينما مثلها مثل التلفزيون، وحينما وجدت قنوات كثيرة، جاء التنافس، وتطورت الدراما التلفزيونية، بعكس السينما، التي لم تتطور، لأنه لا توجد منافسة، ولا يوجد طلب جماهيري على السينما. عندما نصل إلى استقرار سياسي، وتعود الدولة، أنا متأكد أنه سيكون عندنا سينما، وسنشتغل أعمالًا كثيرة.

(*) من يتحمل مسؤولية النهوض بفن الدراما في اليمن، في رأيك؟
الدولة تتحمل المسؤولية، فالدراما هي توجُّه دولة. ولو أخذت الدراما التركية مثالًا، تركيا من فترة قريبة ظهرت فيها الدراما بسبب توجه الدولة لدعم كثير من الأعمال: باشتراط تقديم الدعم من الرُّعاة، ما سخر كل الإمكانيات أمام شركات الإنتاج.
في المقام الأول، الدراما تتحمل مسؤوليتها الدولة، لكن الآن الذي يتحمل هذا الدور هي الجهات والمؤسسات (القنوات). فالقنوات هي من يحمل همّ النهوض بفن الدراما في اليمن. ولهذا، الحراك الموجود، التنافس الشديد بين القنوات، شكّل قوة للدراما اليمنية في التطور، مع أننا في اليمن في وضع حرب، يفترض أننا في حالة ركود، لكن التنافس خلق ثورة درامية كبيرة جدًا. وكما أسلفت، نتحدث في هذا العام عن (22) مسلسلًا دراميًا يمنيًا وفقًا لإحصائية قامت بها إحدى الجهات، من بينها ثلاثة أعمال سيدي أو: رسوم متحركة. هذا طبعًا إنتاج كبير جدًا، مع أن كثيرًا من الأعمال إنتاجها ليس بذاك الإنتاج الكبير، لكن تظلّ مسلسلات، وهذا الرقم طبعًا كبير جدًا إذا قارنته بالسعودية، أو بعُمان، أو بالكويت.

نقلاً عن موقع “ضفة ثالثة”