تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » الألوان تتحدث إلى المشاهد «على الشرفة»

الألوان تتحدث إلى المشاهد «على الشرفة»

 

الفنانة الفرنسية ماري براكيموند (1840 – 1916)، كانت واحدة من أربع نساء بارزات في الحركة الانطباعية، إلى جانب ماري كاسات (1844- 1926)، بيرث موريسو (1841- 1895)، وإيفا غونزاليس (1847- 1883). تعلمت براكيموند الرسم في طفولتها، وبدأت في عرض أعمالها في صالون باريس، وهي لا تزال في سن المراهقة. لم تخضع بالمطلق لتدريب فني، لكنها تلقت إرشادات محدودة من جان أوغست دومينيك إنجرس، ونصائح من بول غوغان مما أسهم في بلورة أسلوب خاص بها في الرسم.

تزوجت براكيموند من صانع الطباعة الشهير فيليكس براكيموند (1833- 1914)، الذي ساعد في نشر الفن الياباني في فرنسا. معاً، أسسا شركة تُعنى بفن الزخرفة، ويعزى إغفال ماري المتكرر من كتب الفنانين إلى سطوة زوجها، الذي بحسب ابنهما بيير براكيموند «أن والده كان يشعر بالغيرة من عمل ماري، وتقصد تخفيض طموحاتها، ورفض عرض لوحاتها للزوار».

شاركت ماري في ثلاثة من المعارض الانطباعية الثمانية الكبرى في باريس، في السنوات (1879) و(1880) و(1889). وخلال حياتها فنانة، أنتجت ما لا يقل عن 157 عملاً، منها 31 فقط تم العثور عليها، أقيم معرضان منفردان لها بعد وفاتها. من أشهر أعمالها «السيدة ذات الرداء الأبيض» (1880)، و«على الشرفة في سيفر» (1880)، و«شاي بعد الظهر» (1880)، و«تحت المصباح» (1887).

حفاوة

تعد لوحة (على الشرفة في سيفر) من الأعمال التي قوبلت بحفاوة بالغة من قبل النقاد الفرنسيين، وهي واحدة من عملين للفنانة بالاسم نفسه؛ حيث سبق هذه اللوحة الزيتية وهي بقياس كبير (88 × 115) لوحة بقياسات أصغر حجماً (56.8 × 64.5) محفوظة في متحف «أرتيزون» في طوكيو باليابان؛ حيث يعتقد بأنها كانت عبارة عن دراسة للعمل الأكبر.

أما اللوحة بقياساتها الكبيرة، فهي واحدة من أبرز مقتنيات المتحف الصغير في جنيف، سويسرا، وهي تصور ثلاثة أشخاص على شرفة، ومن الناحية الأسلوبية، ومثل مجمل الأعمال التي أنتجتها براكيموند، تستكشف اللوحة طبيعة تحولات اللون الأبيض في ضوء الهواء الطلق.

واللوحة عمل مثير للإعجاب يأسر المشاهد بجماله وأناقته، تم تصويرها في حديقة «سيفر» بالقرب من باريس، وتؤكد اللوحة خصائص الأسلوب الفني الانطباعي عند براكيموند وبشكل واضح؛ حيث اعتنت الفنانة بضربات منتقاة لفرشاة الرسم مع تركيزها على التقاط الضوء واللون، واستخدمت الألوان المشرقة النابضة بالحياة في إطار سعيها إلى اكتشاف قوة اللون وأثره في الحياة الإنسانية، كما يظهر في هذه اللوحة الموشاة بظلال الأخضر والأزرق والوردي لإيجاد جو مشرق ومبهج.

الألوان تتحدث إلى المشاهد «على الشرفة»

في هذا العمل، يمكننا أن نرى بدايات اهتمام الفن الانطباعي بتحولات الضوء والأشكال، خاصة في الأشجار والمساكن الخلفية. ويظهر الرسم ثلاثة شخصيات، (الرجل والمرأة على اليمين) يظهران في حالة نفسية أقرب إلى الصمت والاستغراق الدقيق، بينما تظهر المرأة على اليسار في حالة أقرب إلى اليقظة وكأنها تنظر إلى المتفرج، واللوحة بشكل عام تختبر قدرة براكيموند على تقديم تصور فني يحاكي الجوانب الخفية من الشخصيات التي تقوم برسمها، كما تختبر قدرتها على الغوص في أعماق الشخصيات، واستثمار ذلك كله في تكوين منحى درامي وحكائي، لشخصيات في أوضاع أو هيئات مختلفة.

ومن حيث التكوين الفني، تعد اللوحة مثيرة للاهتمام، فقد استخدمت براكيموند منظوراً فنياً استثنائياً، لإظهار الشرفة من زاوية عالية، ويتيح ذلك للمشاهد رؤية المنظور الفني للوحة بشكل فريد يبرز تفاصيل وجمال العمارة والحدائق.

قصة

يورد نقاد الفن قصة مثيرة للاهتمام أثناء حديثهم وتعليقاتهم على هذه اللوحة، وهي أن براكيموند رسمتها في الأصل مع زوجها فيليكس، الذي كان أيضاً فناناً، إلا أنه لم يكن راضياً عن نصيبه في اللوحة ودمرها، فقررت ماري براكيموند مواصلة العمل على اللوحة بنفسها، وإكمالها حتى النهاية، حتى ظهرت بشكلها الحالي.

باختصار، اللوحة هي بمنزلة تصوير مذهل يعرض موهبة ماري براكيموند ومهاراتها كفنانة، ما يجعل أسلوبها الانطباعي يمتاز بسمات خاصة من حيث تركيزها على الألوان النابضة بالحياة، ويعد هذا العمل بحق جوهرة من الفن الفرنسي في القرن التاسع عشر. اشترى أوسكار غيز، وهو رجل أعمال سويسري وجامع أعمال فنية، هذه اللوحة في عام 1970؛ حيث انتشرت أعمال براكيموند في العالم. تم الحصول على اللوحة الأصغر في عام 1919 من قبل جامعين خاصين، ومرت عبر العديد من المالكين المختلفين، وفي نهاية المطاف حصلت عليها مؤسسة «إيشباشي» اليابانية في عام 2019.

وصف الناقد الفرنسي هنري فوسيلون، براكيموند بأنها واحدة من (ثلاث سيدات عظيمات) للفن الانطباعي؛ حيث طورت ماري أسلوباً انطباعياً خاصاً بها بحلول عام 1890.

ضوء

لم تكن ماري براكيموند تتمتع بنفس التنشئة أو المهنة التي تتمتع بها الانطباعيات المعروفات؛ مثل: (كاسات، موريسو، غونزاليس)، كانت طفلة زواج تعيس. تابعت والدتها، عاشت مع والدتها حياة غير مستقرة، وانتقلت الأم وابنتها من بريتاني إلى جورا إلى سويسرا، ثم إلى ليموزين، قبل أن تستقرا في إيتامبيس، جنوب باريس. كان لديها أخت واحدة، اسمها لويز.

بدأت براكيموند دروساً في الرسم في سن المراهقة، بتوجيه من أوغست فاسور؛ وهو رسام عجوز اشتهر بترميم اللوحات، وإعطاء دروس لشابات البلدة، في عام 1857 رسمت الفنانة لوحة لأمها وأختها ومعلمها العجوز، وعرضت هذه اللوحات في صالون الفن بباريس.

وصفها الناقد فيليب بورتي بأنها «واحدة من أكثر التلاميذ ذكاء في استوديو إنجرس». أما هي فكتبت عن هذه التجربة «صرامة السيد إنجرس أخافتني… لأنه شك في شجاعة ومثابرة امرأة في مجال الرسم».