ألقت الحرب الدائرة بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع” بظلالها على مجال الإنتاج السينمائي، وتراجع حضور المخرجين والمنتجين على أرض الواقع وتقديم إنتاجات جديدة باستثناء جهود فردية محدودة.
وعلى رغم النهضة التي عاشها صناع السينما في السودان خلال الأعوام الأربعة التي أعقبت انتفاضة ديسمبر (كانون الأول) 2018 التي أطاحت نظام عمر البشير في أبريل (نيسان) 2019، فرض الصراع المسلح على الفنون واقعاً جديداً عنوانه توقف الأنشطة والفعاليات، مما سبب ضغوطاً ومعاناة لمعظم المبدعين وتقطعت بهم السبل بين نازحين ولاجئين داخل البلاد وخارجها.
جهود ومعالجات
ضمن فعاليات برنامج “سودان كولاج” التي أقيمت بالعاصمة المصرية القاهرة، بحث عدد من المهتمين أوضاع السينما السودانية خلال فترة الحرب والأضرار التي لحقت بها وبالفنانين والمخرجين مع وضع خطة لعملية الإنتاج في الوقت الحالي ومستقبل الفن في ظل الظروف الراهنة. واشتمل البرنامج على ورش عمل وحلقات نقاش وعروض لعدد من الأفلام التي تم إنتاجها في مدن بورتسودان والفاشر وعبري وكادقلي، إلى جانب خلق مساحة للمنتجين. وشارك في حلقات النقاش عدد من المخرجين والمنتجين، أبرزهم إبراهيم شداد وعفراء سعد ومحمد العمدة وولاء عبدالعزيز وسليمان إبراهيم ومهيرة مجدي.
أضرار بالغة
وفي هذا الصدد، قال المنتج والمخرج ياسر فائز “حين اندلعت الحرب في السودان كنت أنهي عمليات ما بعد الإنتاج لفيلم روائي قصير بعنوان “جهنمية”، اضطررنا للتوقف لأسباب عدة تتصل جميعها بظروف الاشتباكات المسلحة، وأعتقد أن الحرب عطّلت إمكانية تنفيذ العديد من الأفلام الروائية، إذ إن هذا النوع من الأعمال يحتاج إلى استقرار أمني نسبي، وضمانات لإنجاز التصوير. وفي تقديري، الأمر صعب في هذه المرحلة حتى في المدن التي لم تطلها المعارك الحربية، خصوصاً أنه لا يمكن البناء على وضع متغير وغير مضمون”.
وحول تجربة الأفلام الوثائقية، أشار فائز إلى “إمكانية تصوير بعضها على رغم ظروف البلاد الحالية، لأن هذا النوع من الأعمال يحتسب أحياناً المخاطرة ضمن خطته الإنتاجية”.
ونبه المنتج والمخرج إلى أن “هناك عوامل أخرى أضرت بالإنتاج السينمائي في السودان، أولها أن الحرب ستنفّر المنتجين من الاستثمار في البلاد لاعتبارات عدم الاستقرار والأمان، فضلاً عن أن الفنيين والتقنيين السينمائيين في السودان على قلّتهم اختاروا الهجرة للبحث عن فرص جديدة بعد فقدان الوظائف، وليس معلوماً إمكان عودتهم حتى في حال توقف الصراع المسلح. أما العامل الثالث متعلق بتعطيل المحاولات الحثيثة لإعادة افتتاح دور العرض السينمائي في السودان والاستثمار فيها”.
وبشأن المعالجات والبدائل، اقترح فائز “تصوير الأفلام الروائية في أماكن بديلة وشبيهة ببيئة البلاد، على أمل ضمان استقرار بعض المناطق في السودان والعودة للتصوير هناك، إلى جانب استثمار النجاحات التي حققتها الأفلام الجديدة خلال السنوات الماضية لتشجيع صناع السينما على العمل في الإنتاج”.
حصار ومناهضة
اعتبر الناقد السينمائي هيثم الطيب أن الحرب عطلت إنتاج أعمال جديدة، وأجبرت الآلاف على النزوح داخل البلاد وخارجها، من بينهم صناع السينما، بالتالي توقفت الأنشطة، فالنزوح نفسه أداة قاتلة لحركة الإبداع والإنتاج، والعمل في المناطق التي لم تطلها الاشتباكات المسلحة صعب للغاية نظراً لتوجس السلطات من عمليات التصوير حتى للأعمال التي تدعو للسلام والاستقرار”.
ولفت الطيب إلى أن “صناع السينما في السودان كانوا يعتمدون على الإنتاج الذاتي قبل اندلاع الحرب، وعقب تصاعد القتال أجهضت فكرة الإنتاج الخاص التي يناضل من أجلها كثيرون لرفع اسم السودان في منابر السينما العالمية”.
ورأى الناقد السينمائي أن “هناك جهوداً ومحاولات عدة لمواصلة المسار وتقديم إنتاجات جديدة، لكن السينما السودانية محاصرة بأزمات ومصاعب صنعتها الحرب، فضلاً عن ظهور مجموعات تناهض الفن وتضيق على المبدعين وتخشى رسالة السينما”.
أنشطة وفعاليات
المخرج جسور أبو القاسم أشار إلى أن “إنتاج الأفلام في السودان توقف بسبب الحرب وتفاقمت أزمة الفنانين بخاصة أن كثيراً منهم باتوا من دون عمل وأجبرهم تصاعد القتال على النزوح، وبعضهم هاجر خارج البلاد، فضلاً عن أن عملية الإنتاج تحتاج إلى أموال ضخمة والفنان ليس بمقدوره فعل كل شيء منفرداً”. وأضاف أن “الأنشطة التي تقام في المدن الآمنة مثل ود مدني بولاية الجزيرة جنوب الخرطوم، مرتبطة بدعم المنظمات لأنها أعمال توعوية، كما أن استقرار مدينة بورتسودان شرق العاصمة أسهم في فعاليات نوعية نظمها اتحاد الأدباء والفنانين، وفي العاصمة المصرية القاهرة ينشط تجمع الفنانين السودانيين في إقامة برامج نوعية”.
ونوه المخرج السينمائي إلى أنه “على رغم الظروف الصعبة هناك فعاليات سودانية أقيمت في مدن سنار وود مدني وعواصم دول الجوار مثل أديس أبابا ونيروبي وكمبالا، علاوة على عقد ورش سينمائية في مدينة بورتسودان”.