تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » «إيزابيلا ديستي».. لوحة تصور مكانة المرأة في عصر النهضة

«إيزابيلا ديستي».. لوحة تصور مكانة المرأة في عصر النهضة

 

أنتج الرسام الإيطالي تيتسيانو فيتشيليو «1488-1576»، الشهير ب«تيتيان»، والذي عاش في عصر النهضة، العديد من اللوحات المهمة التي نالت تقديراً كبيراً، وهو زعيم مدرسة البندقية في الرسم، وقد حاز على رعاية عدد كبير من النبلاء الإيطاليين المعروفين، وكان لفترة من الزمن، امتدت لسنوات، رسام البلاط لدى الإمبراطور شارل الخامس، وقد تميّز بمهارته في استعمال الألوان، وإلى اليوم لا تزال درجة من اللون الأحمر الذي كان يستعمله أحياناً لرسم شَعْر شخصياته، وبخاصه النساء، تُعرف باسم «حمرة تيتيان»، وقد بيعت إحدى لوحاته «موت آكتيون»، بأكثر من مليوني جنيه إسترليني في أحدِ مزادات لندن سنة 1971.

عمل فيتشيليو لدى الباباوات في روما، وصار مطلوباً لدى الملوك الأوروبيين، مثل: فرانسوا الأول ملك فرنسا، كما أنجز لوحات شخصية للملك شارل الخامس، وفيليب الثاني ملك إسبانيا، وكان يتخذ ابنته لافينا نموذجاً «موديل» لعدة لوحات معروضة في متاحف درسدن وبرلين ومدريد، وتشمل أعماله صوراً ورسومات للأساطير والمشاهد الدينية.

لوحة «إيزابيلا ديستي» أو «إيزابيلا باللون الأسود» هي لوحة زيتية على القماش رسمها فيتشيليو في الفترة بين عامي 1534 و1536، وهي تعد من أبرز الشواهد على براعته الإبداعية، وتنتمي إلى عوالم الفنان الذي عُرف بإقباله على رسم لوحات للأسر المالكة والأرستقراطية، وقد عمل على إظهار شخوصه في أعماله بعيداً عن المظهر الجاد، وأظهر براعة في تصوير الجانب الإنساني لشخصياته من خلال تعبيرات الوجوه والإيماءات، وقد أثر بذلك في الكثير من رسامي اللوحات الزيتية، وكان يرسم بفُرش سميكة، ويعمل على أن يبدو اللون وكأنه يمتزج بلون آخر.

في مشهد هذه اللوحة التي تعد من الأيقونات في تاريخ الفنون، يرسم فيتشيليو إيزابيلا ديستي «1474 1539»، وهي إحدى أبرز الشخصيات النسائية خلال عصر النهضة الإيطالية على الصعيدين الثقافي والسياسي، إذ كانت راعيةً للفنون إضافة إلى كونها رائدة في مجال الموضة، وكانت العديد من النساء تقلد أسلوبها المبتكر في اللباس، وأطلق عليها الشاعر أريوستو لقب «إيزابيلا الليبرالية رحبة الصدر»، في حين وصفها الكاتب ماتيو بانديلو بكونها «السامية بين النساء»، وذهب الدبلوماسي نيكولو دا كوريجو إلى حد تلقيبها ب«سيدة العالم الأولى».

«إيزابيلا ديستي».. لوحة تصور مكانة المرأة في عصر النهضة

* وصف

على الرغم من أن الصّورة توضح امرأة شابة فإنّ إيزابيلا كانت في الثانية والستين من العمر عِند رسمِها، وقد اشتهرت بكونها طموحة اجتماعياً وتدرك تأثير رسم لوحة لها على يد فنّانين مشهورين على سُمعتِها وهيْبتها، فقامت بِتكليفِ كل من ليوناردو دا فينشي وأندريا مانتينيا للقيام بذلك في وقت سابق؛ أي قبيل هذه اللوحة التي تمثل إحدى الصورتين اللّتيْن رسمهما فيتشيليو لها؛ حيث كانت الأولى هي لوحة «إيزابيلا بالون الأحمر» التي أطلق عليها اسم «إيزابيلا المُسِنّة»، عام 1529، وظهرت في تلك اللوحة أكثر عمراً، وهو الأمر الذي أثار استياء إيزابيلا، والتي غضبت من تصوير أنفها ووضعيتها وزيها وتعبير وجهها، فكانت أن طلبت من فيتشيليو أن يرسم لها لوحة أخرى أكثر مثالية تظهر فيها أصغر عمراً بأربعين عاماً، وهو الأمر الذي قام به بالفعل، في هذه اللوحة التي أطلق عليها اسم «إيزابيلا باللون الأسود».

والواقع أن شهرة إيزابيلا لم تكن بسبب جمالها، رغم أنها كانت جميلة في صباها، بل من خلال الفكر وقوة الشخصية والتأثير، وقد أشار الناقد فريد كلينر إلى أن هذه اللوحة التي تظهر فيها إيزابيلا شابة جاءت متقنة، والواقع أن الفنان استطاع أن يبرز براعته في توظيف الألوان وإظهار تعبير الوجه بطريقة تظهر قوة شخصية تلك المرأة التي كانت قد بدأت تفقد رويداً رويداً تلك القوة والشجاعة التي عرفت بها بسبب قلقها من تقدمها في العمر وذهاب آثار جمالها، غير أن براعة الفنان تكمن في أنه قد رسم لوحة تعبر عن رغبة إيزابيلا في أن تظهر صغيرة في السن ومحتفظة في الوقت نفسه بقوة شخصيتها، وهو الأمر الذي نفذه فيتشيليو ببراعة كبيرة.

وعلى الرغم من أن إيزابيلا أبدت إعجابها باللوحة لدرجة أنها قالت: «جعلني الفنان أكثر جمالاً مما أبدو في الواقع»، فإنها سجّلت بعض الملاحظات على العمل، حيث أشارت إلى أن الفنان جعل عينيها في اللوحة وكأنهما أكثر سواداً، والواقع أن فيتشيليو رسم اللوحة بناء على صورة لإيزابيلا التي رفضت أن تجلس أمامه لكي يرسمها.

* نقد

بعض النقاد لم تعجبهم اللوحة، حيث اعتبروها نموذجاً للخداع ومفارقة لحقيقة أن إيزابيلا متقدمة في العمر، ووصف الكاتب الساخر بيترو أريتينو اللوحة بأنها «قبيحة وغير شريفة ومزخرفة بشكل غير أمين إلى حد كبير»، غير أن اللوحة بصورة عامة، اعتبرت من قبل الكثيرين العمل الأكثر أهمية لفيتشيليو، وكانت شاهدة على تطور أسلوبه اللوني، وهو الأمر الذي منح اللوحة التي توجد الآن متحف تاريخ الفنون في فيينا، خصوصية وجمالاً.