تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » تنوع الشكل عند الذرحاني

تنوع الشكل عند الذرحاني

للناقدة والتشكيلية د آمنة النصيري

 

 

 

 

 

 

(علي الذرحاني) فنان جرافيك، من جيل الثمانينيات من القرن العشرين، تخرج في كلية الفنون الجميلة في جامعة حلوان، مصر،1987 عام. إلا أن نشاطه الفني قد بدأ مبكرا ، مع أواخر السبعينيات، في معارض محلية وعربية، ثم نظم أول معارضه الشخصية في عام 1983م.
في دراسة حول التشكيل اليمني ، كتب الناقد السوري الراحل (خليل صفية) ( في مجلة الحياة التشكيلية) الصادرة في دمشق ، عن الفنان (الذرحاني) قائلا: ” إنني لم أجد فنانا شابا أو رائدا أعطى لهذا الموضوع -تعاطي القات وخطورته على الانسان – أهمية مثل علي الذرحاني وضمن سلسلة من اللوحات عن أضرار القات تتسم بالجرأة في الشكل والمحتوى ، ومحققة بواقعية نقدية ، ذات وشائج تعبيرية كاريكاتيرية، إنه فنان الموقف الذي عالج بالنقد الموضوعات الأكبر إشكالية وحضورا في بيئته.
.
.
.
.
لعل تلك الأعمال – المذكورة قد جاءت من شعور الفنان بالمسؤولية ، تجاه مختلف القضايا الاجتماعية التي عالجها، من خلال منظور نقدي ، أنتهج فيه طابعا ساخرا ، وحول ظاهرة القات إلى موضوع جدير بالاستهجان والسخرية، حيث صوره في مشاهد تبعث على الضحك، غير أنه ضحك مشوب بالاستنكار واستفزاز المشاهد الذي حتما سوف يترك هذا الخطاب الساخر في نفسه تساؤلات عدة.
.
.
.
.
ولأن الفنان كان حريصا على مخاطبة الجمهور العادي ، فقد طغى على أسلوبه طابع مباشر وموجه، أقترب في بعض الأعمال من الكاريكاتورية حتى أنه تخلى –  لصالح المحتوى – عن بعض العناصر الفنية الضرورية ، وقد نجح الفنان، إلى درجة كبيرة في الوصول إلى فئات مختلفة من المتلقين، الذين تقبلوا هذه الأعمال بترحاب وإعجاب وهو بذلك قد حقق الهدف الذى سعى إليه في تلك الأعمال، التي أصبحت أكثر شعبية في نتاجه.
.
.
.
.
ومع ذلك فإن تلك السلسلة ليست النتاج الأكثر أهمية للذرحاني ، حيث يفاجئنا في السنوات الأخيرة بتحول غير عادي في حلوله الفنية اذ يبدو تطور علاقته بالواقع من خلال فهم جديد لكيفية بلورتها فنيا ، مع الإبقاء على أكبر قدر من القيم الجمالية داخل العمل، أكد هذا التحول بتبنيه قضايا مجتمعه، ووقوفه عند بعضها بصورة خاصة تعكس رؤيته وموقفه الذاتي منها ، كموضوع الحرب ، وواقع المرأة ومعاناة البسطاء….. إلخ. ثم صياغتها في نماذج فنية لم يستهلكها من قبل في معالجاته السابقة ، حيث حاول أن يمنح هذه القضايا- التي تمثل محتوى العمل- شكلا أقل مباشرة يستوعب تصوراته الجمالية. كما أنه انتقل في عدد من لوحاته إلى موضوعات أكثر شمولية ، ذات طابع فلسفي توحي بذلك تراكيب الاعمال ، وعناوينها :
( نهاية علاقة سالبة) (الفزاعة) في البدء كانت (الحياة) (العودة الثانية لروح الشاعر وضاح).
.
.
.
.
في معظم تلك التكوينات التي ينزع بعضها نحو مفردات واقعية والبعض الآخر نحو الرمزية والتعبيرية تظهر خصائص مشتركة، أهمها نزوع الرسام نحو الأسلوب الحكائي حيث يصف ويسرد ويشد انتباه المشاهد لقراءة تفاصيل اللوحة ومتابعتها للوصول إلى أجزاء الفكرة والوقوف على رؤية الفنان التي تخترق العالم التقليدي ، بغية استحضار صوره اللآمرئية ، أما الخاصية المشتركة الأخرى، فتتمثل في حرصه على تأكيد تواصل داخلي بين شخوص لوحاته. كما أنه- وهذا ملمح هام يهتم بالإنسان البسيط الشعبي ، ليس لمظهره الخارجي بمعطياته المتعددة ، وإنما للتأكيد على تجربته الإنفعالية الأمر الذي لايجعل الكائنات البشرية اامصورة تعيش حضورا مستقلا عنا بل تذكرنا بوجودها دائما معنا.
.
.
.
.
في كثير من التكوينات يتعامل مع التراث بعناصره المتحفية والفلكلورية دون نقل مباشر فهو يحاول تهجين اللغة الفلكلورية بالمحتوى الإنساني ليتحدان بصورة عضوية، تنضوي داخلها مفاهيم معاصرة.
في أحد أعماله يصور هيئة إنسانية مكتفيا منها بالرأس والكتفين، ويهتم بعرض بعض التفاصيل لتأكيد محلية الشخص المصور ، مثال على ذلك الشال (المشدة) المربوط حول الرأس ويستبدل الفنان ملامح الوجه ببقع لونية داكنة ومتداخلة بعفوية لاتتيح للمشاهد إدراك أي علامات محددة ، فهي لاتوحي بوجه محدد ، لكنها تخلق شعورا باحتواء هذا الوجه عالما وحياة خاصة وهو في ذات الوقت مركز للوحة، تتوقف العين عنده ، لأن تداخل وامتداد اللون أعطى التكوين ديناميكية داخلية استطاعت كسر حدة الرتابة. التي كان من الممكن ان تغلب على العمل لو أن الوجه خلا من هذه البقع اللونية،
في عمل آخر ملفت للانتباه، يلاحظ تحول نوعي في تجربة ( الذرحاني) نحو اللون حيث أنه كفنان جرافيك ، قد فضل ممارسة الرسم لفترة طويلة باللونين الأبيض والأسود ، وعندما استخدم اللون في بعض أعماله كان يلجأ كان يلجأ إلى أساوب المونوكروم المعتمد على عدة تدرجات متشابهة من اللون الواحد ، لكن حاجته إلى تعبيرية اللون دفعته لاستخدامه كما يبدوالأصفر الفاقع في الجانب الأيمن من اللوحة محتلا معظم أجزائها ، وخلفه تتراءى أشباح غير واضحة، مع بعض الرموز كالهلال والقمر ، وهي استعارات ورموز ذات دلالات تاريخية ، ولا ينفصل عن هذه الرموز ، بل يدعمها ، ويؤكد الإشارات العميقة الموجودة في اللوحة.
.
.
.
.
ولعل مايميز هذا النمط من نتاج الفنان أنه في كثير منه يقف عند حدود سكونية العالم وامتداد الزمن اللامنتهي بل إنه يعود في بعضها إلى عمق التاريخ، ليس لاكتشاف أجواؤه، وإنما لتأكيد أن المفردات الغامضة للعوالم القديمة لاتزال ساكنة داخل الإنسان، حتى وإن كان ذلك في لاوعيه، ومن هنا بالتحديد تمتد الأبعاد الزمنية في لوحاته، وقد يعود الأمر إلى قراءات الفنان في الفلسفة والتصوف واهتمامه بص‘رة خاصة بقضايا الفن النظرية
وهو في تجارب أخرى – الحديثة منها بالتحديد – يعود إلى دراسة الموتيف الشعبي الذي يقدمه في تنويعات واستعارات مختلفة ، تربط بين الإنسان وهذا الإرث الفني الذي لايزال يمتلك دورا حيويا في تجميل البيئة المحلية ومنحها خصوصيتها.
.
.
.
.
.
.
.
.