تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » الفن التشكيلي اليمني لم يحظ بالاهتمام الذي يستحقه

الفن التشكيلي اليمني لم يحظ بالاهتمام الذي يستحقه

 

صبري الحيقي
يستلهم الفنانون التشكيليون اليمنيون من العمق الحضاري لليمن – البلد الذي يعيش سكانه محاطين بالفن – ومن زخارف العمارة اليمنية التي ترقى إلى أن تكون لوحات فنية في حد ذاتها. كما يدخل الفن في كل تفاصيل حياتهم كالزخارف على الأزياء والحلي، ناهيك عن الأغاني والعزف اليمني بالعود والزامل والإنشاد والرقصات الشعبية وغيرها من مظاهر الحياة المتنوعة، وقد شهد اليمن حركة فنية تشكيلية هامة وقدم تجارب لافتة، لكن الكثير من الفنانين إما أنه توقف أو هاجر أو ظل طي النسيان.

من المهم بداية أن نشير هنا إلى أن الفن التشكيلي اليمني، تناولته بعض الكتب، وفي مقدمتها كتاب “موجز في تاريخ الفن العام” الذي أصدره الباحث المصري أبوصالح الألفي في 1980. وهو كتاب شامل لتاريخ الفن بشكل عام وتاريخ الفن في الوطن العربي بشكل خاص من ذلك اليمن.

وبحكم أنه أول كتاب في الوطن العربي شمل تاريخا للفنون التشكيلية، سنقتبس منه بعض ما يخص اليمن “اتخذت الحركة الفنية مسارها الصحيح عقب انتصار الثورة 1962…، فقد حرصت وزارة الثقافة على تجميع شتات الفنانين، بإنشاء اتحاد الفنانين التشكيليين اليمنيين حيث افتتح عام 1972 المؤتمر الأول للاتحاد، كما تعهدت الوزارة بالمشاركة في النشاطات الفنية في الوطن العربي وخارجه. ومن بين أسماء الفنانين في اليمن: علي غداف، فتحي أمان، عبدالله عقيلي، عبدالله علي، خالد صوري” (أبوصالح الألفي، الموجز في تاريخ الفن العام، دار نهضة مصر، القاهرة، 1980).

معاناة الفنان والرواد
من الواضح أن هذا الكتاب أشار فقط إلى بدايات الحركة التشكيلية في ما كان يسمى الشطر الجنوبي من اليمن، مع العلم أن تلك الأسماء اختفت ولم يتبق منها إلا علي غداف الذي هاجر من اليمن ولم يعد إلى الآن.

ولم يشر هذا الكتاب إلى الشطر الشمالي، الذي كان فيه أيضا في نفس الفترة بدايات لرواد الفن التشكيلي اليمني الذين استمر نشاطهم إلى أن ماتوا مثل: هاشم علي، عبدالجبار نعمان، فؤاد الفتيح، عبده حذيفي، عبدالجليل السروري.

أيضا صدر كتابان، عن الفن التشكيلي في اليمن، في السنوات الأولى من الألفية الحالية، في 2004 وفي 2005. الأول كان مجرد مقالات مجمعة من الصحف، والثاني كان باسم “الفن التشكيلي في اليمن”. ولكن للأسف الكتابان أهملا الكثير من المفاصل التشكيلية وغابت عنهما أسماء مهمة جدا تميزت بخصوصيات إبداعية لم يصل إلى مستواها أحد إلى الآن، مثل الفنان حيدر غالب (1958 – 1983) أحد أهم رواد الفن التشكيلي في اليمن مثلا.

وقد تأسست إدارة للفنون التشكيلية في وزارة الثقافة لرعاية المعارض التشكيلية ولتستوعب الكوادر التي تم ابتعاثها للدراسة في هذا المجال منذ سبعينات القرن العشرين. وتشرف هذه الإدارة على تنظيم المعارض الداخلية وعلى المشاركة في المعارض الخارجية منذ السبعينات إلى الآن.

وعلى كل فإن الفنون التشكيلية في اليمن لم تحظ بالاهتمام الذي تستحقه، والكثير من الفنانين لم تتح لهم فرص إظهار قدراتهم وخصوصية أعمالهم، ولهذا الكثير منهم توقف عن الإنتاج خاصة مع الظروف الاقتصادية والسياسية القاهرة التي يمر بها اليمن في سنوات الحرب التي ابتدأت في 2015 تقريبا. لهذا كان لا بد من جهد تعريفي يشمل بشكل عام حركة الفن التشكيلي في اليمن، وخاصة جيل الرواد، هذا الجيل الذي يمتد من ستينات إلى نهاية التسعينات من القرن العشرين.

ونؤكد على أن الريادة ليست بالأقدمية الزمنية على أهميتها، فهناك أسماء ظهرت في الخمسينات والستينات من القرن العشرين في عدن تم اختفت ولم تترك أثرا.

كما أن الريادة ليست بالثرثرة والتمسح بوسائل الإعلام، فالفنان هاشم علي كان أقل الفنانين كلاما وأكثرهم عزوفا عن وسائل الإعلام، ومع هذا فهو بإجماع الكثير من المثقفين والنقاد من أهم رواد الفن التشكيلي اليمني الحديث، وذلك بما تركة من أثر فني مميز وبما بذله من جهد في تبني المواهب الفنية وتدريبها ومنهم من أصبح من رواد فن التصوير مثل الفنان طلال النجار وهو من الذين بدأوا عند هاشم علي ثم درسوا وأصبحوا من العلامات المميزة في الفن اليمني.

أجيال مميزة
لا ننسى أن ننوه إلى أن فترة الثمانينات والتسعينات من القرن العشرين كانت فترة ازدهار ووفرة مثمرة للفن التشكيلي في اليمن، ولكن زمنيا فقد بدأ جيل الستينات ظهورهم ونشاطهم في السبعينات وأقاموا معارض متعددة، وأهمهم في التصوير الزيتي هاشم علي حيدر غالب وعبدالجبار نعمان وعبدالجليل السروري وعبده حذيفي، وفي الغرافيك فؤاد الفتيح وعبدالعزيز الزبيري الذي كانت أعماله في السبعينات حفرا على زنك.

ثم ابتدأت مرحلة ثانية أكثر تنظيما منذ بداية الثمانينات، وتبلورت بعد منتصفها، وذلك من خلال توظيف صالة الفنون التابعة للسياحة، وإقامة المعارض فيها، والعرض الدائم فيها، ثم بتأسيس الصالة الأولى للفنون، رغم أنها كانت خاصة بالفنان فؤاد الفتيح، لكنها كانت مفتوحة لكل الفنانين الناشطين، وشكلت الأساس لتكوين المركز الوطني للفنون، الذي أسسه فؤاد الفتيح أيضا.

ومنذ أن تأسس قسم الفنون الجميلة في جامعة الحديدة وجامعة ذمار، إضافة إلى تطوير معهد جميل غانم (معهد الفنون الجميلة سابقا)، ظهر الكثير من الفنانين الشباب وخاصة في الألفية الجديدة وسجل بعضهم حضورا متميزا، والحديث عنهم يحتاج صفحة مستقلة.

أجيال فنية

“جماعة الفن الحديث”، في المركز الوطني للفنون، هي أول جماعة منظمة لنخبة من الفنانين المتميزين في حركة الفن التشكيلي اليمني، والأكثر استمرارا، حيث تأسست في سنة 1992 واستمرت إلى سنة 2014 تقريبا ولم تتوقف إلا بسبب الحرب التي فرضت على الشعب اليمني منذ 2015.

وهي عبارة عن مجموعة من الفنانين اليمنيين الذين أرادوا ممارسة نشاطهم في فن الرسم والعمل على نشرة بشكل يصل به إلى المتلقي سواء على المستوى المحلي داخل اليمن أو على مستوى عربي أو عالمي.

تأسست هذه الجماعة خلال سنتي 1992 – 1993 في صنعاء، ومقرها سمسرة المنصورة التاريخية، باب اليمن (المركز الوطني للفنون) الذي تم ترميمه في سنة 1990، ويقوم نشاط هذه الجماعة على إقامة ورش عمل جماعية داخل المركز وإقامة المعارض الجماعية في اليمن وخارجها، إضافة إلى المعرض الدائم الذي يقام في المركز الوطني للفنون.

وقد استمرت هذه الجماعة إلى أن قامت الحرب في اليمن. ثم توقفت نهائيا عن النشاط خاصة وقد مات كل من فؤاد الفتيح، مؤسسها والمشرف عليها، وعبدالعزيز إبراهيم، مدير الفنون التشكيلية في وزارة الثقافة.

وكان الأعضاء المؤسسون للجماعة كل من أمين ناشر، رشاد إسماعيل، صبري الحيقي، طلال النجار، عبدالعزيز إبراهيم، فؤاد الفتيح، مظهر نزار، ياسين غالب.

جدير بالإشارة إلى أنه قد انظم إلى هذه الجماعة فنانون آخرون مثل زكي يافعي، عبدالولي المجاهد، سعيد علوي ، عدنان جمن، ريمه قاسم، وآخرون.

ومن نشاطات الجماعة نذكر مثلا ورشة رسم صنعاء القديمة، بعنوان “كيف ترى صنعاء القديمة كيف ترسمها” في سنة 1995 وكان المشاركون فيها فؤاد الفتيح ومظهر نزار وصبري الحيقي.

كما قدمت معرض الصور الفوتوغرافية النادرة والقديمة لصنعاء، والذي ساهم فيه مصورون ألمان. ويعود بعض هذه الصور إلى بداية القرن العشرين. وكان ما يميز هذه الصور هو عرض صور جديدة موازية لها حتى يدرك المتلقي مدى الفارق الشاسع بين الماضي والحاضر. وقد أقيم هذا المعرض في النصف الثاني من تسعينات القرن العشرين.

جدير بالإشارة أيضا أن الفنان طلال النجار كوّن “جماعة الفن المعاصر” في أتليه صنعاء سنة 2001، مع ثلاثة من زملائه، وأقاموا العديد من النشاطات والورش الفنية والمعارض الداخلية والخارجية. لكن هذا النشاط لم يستمر كثيرا فقد توقف في سنة 2007 تقريبا.

في سنة 1996 ساهم الفنان هاشم علي في تأسيس جمعية التشكيليين اليمنيين، وانتخب رئيسا لها. وساهم في تأسيس نقابة التشكيليين اليمنيين عام 1997. ورغم النشاط الذي مارسته الجمعية والنقابة في السنتين الأوليين إلا أنها لم تستمر، وسرعان ما توقف نشاطها نهائيا.

وكانت جماعة الفن في المركز الوطني للفنون، هي أكثر جماعة تشكيلية في اليمن نشاطا واستمرارا نسبيا. إلا أنها توقفت نهائيا تقريبا سنة 2014 بسبب الظروف القاهرة التي مر بها اليمن.

في السنوات الأخيرة وبسبب ظروف الحرب التي مازالت تقهر اليمنيين هاجر الكثير من الفنانين مثل الفنان طلال النجار الذي انتقل مع عائلته إلى السويد ومارس بعض الشباب نشاطا فرديا. في حين توقف الكثيرون.

  • المقال نشر في صحيفة العرب القطرية ومجلة “الجديد” الثقافية اللندنية”
    13 فبراير 2022