تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » الكاريكاتير؛ كبسولة السخرية الساحرة

الكاريكاتير؛ كبسولة السخرية الساحرة

الكاريكاتير؛ كبسولة السخرية الساحرة

 

فارس الشيباني
تختلف الأساليب الصحفية في تناول الوقائع والأحداث، خاصة في المناطق المشتعلة وغير المستقرة، التي تتداخل فيها الأطراف المستفيدة، ولعلّ من أهمّ وأبرز هذه الأساليب تناوُلها بشكل ساخر، أو مجسد (بورتريه)، ولهذا الفن مدارسه وروّاده، وجمهوره ومتابعوه، باعتباره فنًّا ترتبط فيه الصحافة الجادّة بالفن، إلى جانب كونه لغة عالمية بإمكان أيٍّ كان إدراك مغزى الرسالة التي يريد إيصالها.

تعتمد الرسوم الكاريكاتورية على الطابع الساخر والملامح التي يشوبها نوعٌ من التشويه في الشخصيات، ما يجعلها أكثر فكاهية وعفوية للمشاهد؛ الأمر الذي يعزّز من تأثيرها على المتابعين والقرّاء، دون مراعاة الفوارق التعليمية والعمرية، إضافة إلى الرسالة التي تعمل على إيصالها للأفراد والمجتمع عمومًا.

التطور التكنولوجي لوسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي كان له دور بارز في تطور هذا الفن، حيث ساعدت الأدوات الحديثة في الأجهزة الإلكترونية على إعطاء الكاريكاتير طابع الحداثة والبراعة، بالإضافة إلى أنّها سهّلت وبشكل كبير عملية انتشاره، وإمكانية الحصول عليه بيسر وسهولة.

صياغة الواقع بسخرية لاذعة

في حديث رسام الكاريكاتير والفنان عدنان جُمّن، لـ”خيوط”، يقول: “بدأت رسم الكاريكاتير وأنا في الإعدادية، وكان ذلك لصحيفة ١٤ أكتوبر في منتصف السبعينيات من القرن العشرين، وظللت أرسم لها حتى منتصف الألفية الجديدة، كما رسمت لمجلات وصحف أخرى في صنعاء وعدن بعد الوحدة، ولكن حاليًّا توقفت عن الرسم لأيّ جهة، سواء كانت مطبوعة أو إلكترونية”.

ويضيف: “في رأيي، الكاريكاتير يشكّل رأي المجتمع؛ لأنّه يتناول قضاياه ويعيد صياغتها بسخريته اللاذعة. في أوقات سابقة، وعندما كان هناك هامشٌ أكبر للتعبير، كان الكاريكاتير يثير الجدل ويحرك الشارع والحكومة معًا، فيطرق رسام الكاريكاتير الأمورَ بطريقة أسرع من المقال، وجمعه بين فن الرسم والتعبير يجعلانه أهم مادة في أيّ مطبوعة أو موقع إلكتروني؛ لذلك يجب على رسام الكاريكاتير أن يتمتع بقوة الخطوط التي تجسّد شخصيته المستقلة، وأن يكون شخصًا ذكيًّا في طَرق قضايا الناس، وفي الأخير يجب توافر حس السخرية فيما يرسم”.

مساحة قليلة وأسلوب بسيط

فنّان الكاريكاتير رشاد السامعي، تحدث لـ”خيوط”، عن أهمية الكاريكاتير، بالقول: “يحصد الكاريكاتير شعبيةً كبيرة؛ بسبب ارتفاع نسبة الوعي المجتمعي، وحاجة الجمهور لاختصار هذا التدفق الضخم للمعلومات والأخبار والموضوعات الصحفية، علاوة على إمكانية تقديم القضايا والأحداث بأقل مساحة وأبسط أسلوب وبأسرع وقت، تعكسها رسمة بسيطة للغاية؛ ولذلك تقع على عاتق الرسام مسؤولية المواكبة لمستجدات الأحداث، وحمل أمانة تقديم رسالة إنسانية ووطنية عبر نتاجه وإبداعاته”.

ولأنّ رسام الكاريكاتير فنّانٌ وصحافيّ في آنٍ واحد، وأن الكاريكاتير فنّ لا يتأتى إلا لمن يمتلك عمقًا ونظرة ثاقبة لتفسير وتشريح الأمور، فمن الغالب أنّ لدى فنان الكاريكاتير طقوسًا معينة يحتاجها لاستجلاب الأفكار الخلاقة، يذكر الفنان السامعي أبرزَها، قائلًا: “الخلوة مهمة للفنّانين عمومًا، وهي أهم بالنسبة لرسام الكاريكاتير؛ لأنّه يحتاج إلى تحويل كثير من القضايا والأفكار إلى فكرة مكثفة يوجزها الكاريكاتير”.

“قد تستغرق الخلوة التي أحتاجها لإنجاز كاريكاتير ما، دقائق أو ساعات، وأحيانًا أيامًا؛ لأنّ هذا عمل يرتكز على طبيعة الموضوع، وصفاء ذهن الفنّان، وحضوره النفسي والعاطفي، ومدى توحده وفهمه وملامسته للقضية أو الحدث”؛ يضيف السامعي.

يميز المختصون بين ثلاث مدارس لفنّ الكاريكاتير، هي: المدرسة الأوروبية الشرقية التي اعتمدت على الرسم فقط في التعبير، والمدرسة الأوروبية الغربية التي ابتدعت حالةً حوارية مع الصورة عبر كلامٍ مرافق للرسم، وهناك المدرسة الأمريكية التي حاولت أن تجمع بين هاتين المدرستين، فتشعب هذا الفن وتطوره الصاعد جعل له فروعًا وتصنيفات عدة تباينت وتنوّعت؛ فمنها تصنيف وفق الأسلوب، ومنها وفق المحتوى، وآخر وفق الشكل.

يتابع السامعي: “هناك أنواعٌ عدة للرسوم الكاريكاتورية، منها الكاريكاتير الواقعي، ويكون هذا النوع مرتبطًا بالأحداث الواقعية واليومية، وينقل بشكل عام عادات وتقاليد المجتمع والدين والسياسة، ولكنّ الفكرة منه لا تكون بالضرورة الانتقاد، وإنما التسلية فقط، وهناك أيضًا الكاريكاتير الخيالي، ويتضمن هذا النوع رسومات وأفكارًا غير طبيعية أو اعتيادية، ويتم من خلاله نقد الشخصيات أو المواقف بطريقة ورسومات خيالية أو رسم الشخصيات في أماكن حقيقية، ولكن لا يمكن الوصول إليها مثل القمر، أما الكاريكاتير السياسي فهو في الغالب نوع ناقد، إذ يعمد الفنانون من خلاله إلى انتقاد الأمور السياسية والأحداث الواقعية في المجتمع بطريقة ساخرة، لتوصيل فكرة الرفض أو عدم الرضا عن الأوضاع”.

شخصية قريبة من الناس

للفنان السامعي أعمال كثيرة ومهمة في عددٍ من الصحف والمواقع الصحافية، ومن ضمن هذه الأعمال سلسلة (عقلان) التي خلقها في السنوات الأخيرة، وله باع طويل في مجال الرسم الكاريكاتيريّ تجاوز العقدين. و(عقلان): شخصيةُ مجنونٍ يعيش في الشارع، عفوي وتلقائي نشأت شخصيته دون تخطيط، حيث كانت في بداية الأمر شخصية إنسان مختل عقليًّا، رثّ المظهر، استخدمه السامعي منذ زمن، لكن اهتمام الناس بهذه الشخصية حفزه على تسميتها وجعلها تناقش واقع القضايا اليمنية.

يضيف السامعي: “أحَبَّ اليمنيون هذه الشخصية، فأطلقتُ عليها اسم (عقلان) لكي تكون متناقضة مع طبيعة الشخصية، ما قد يجعل منها أكثر فكاهية وتأثيرًا، إذ كان الهدف من هذه الشخصية هو تسليط الضوء على القضايا وتوجيهها، وليس استجلاب الحلول كما يعتقد الكثير”.

ويتابع: “اعتمدت في رسمي لهذه الشخصية، وكذا بقية الرسوم على النمط الواقعي، ولم أتطرق إلى الجانب الخيالي منه إلا في حالات نادرة؛ وذلك لعدم تقبل المجتمع للجانب الخيالي من الأمر”.

ميزات ومساوئ محتملة

يتعاظم الدور الإيجابي والمؤثر للكاريكاتير، إذ إنّ رسمًا واحدًا قد يُحدِث ثورة؛ أمرٌ أكّده الصحافي عبدالوارث الحميدي، الذي تحدث لـ”خيوط”، قائلًا: “ينفذ الكاريكاتير إلى أذهان الناس بسرعة كبيرة، ويعمل على تشريح الواقع واختزاله بعمق وبساطة في آن واحد، ما يرفع الوعي لديهم تجاه القضايا المختلفة والمستجدات الحياتية التي تهمّ عددًا كبيرًا من أفراد المجتمع، ويساهم في حل هذه القضايا”.

يشير الحميدي إلى تفوق الكاريكاتير على الكلمات؛ كونه لا يتطلب ضرورة القراءة والكتابة، ومن ثم فإن الكاريكاتير هو الحل الأنسب للمجتمعات التي تنتشر فيها الأمية مثل اليمن.

ويعرج المؤرخ عبدالوارث على أنّ ما يعيب الكاريكاتير هو أن بعض الرسوم فيه التي تتصف بالعشوائية، قد تُحدِث ضجة وصراعًا، بعكس الهدف الذي أراده القائم على وسيلة الإعلام، وقد لا يستطيع الفنان في أوقات معينة توصيل المفهوم بشكل واضح، ما قد يُفهَم بشكل غير صحيح لدى الآخرين، وهنا يكون ضرر الكاريكاتير أكثر من نفعه.

ويذكر الحميدي أنّ الكاريكاتير ليس من الفنون الحديثة كما يعتقد بعضهم، بل هو فنٌّ تمتد جذوره لمئات السنين، حيث عرفه المصريون القدماء والآشوريون واليونانيون، إذ يرجع تاريخ أقدم رسم كاريكاتيري إلى ما قبل الميلاد، لكنه انتشر مؤخرًا بفعل تأثير وسائل الإعلام.

رسالة مقدمة لكل الناس

يقول الباحث والناقد د. قائد غيلان، إنّ الكاريكاتير من أصعب الفنون الصحفية؛ لأنه يقول أشياء كثيرة مباشِرة وعميقة، في وقت واحد. ويضيف غيلان في حديث لـ”خيوط”: “إنّ بساطة الكاريكاتير هي السهل الممتنع الذي لا يقدر عليه إلا فنان متمرس، ولا ينبغي على الرسام أن يضيف تعليقًا غير ضروري على رسوماته الكاريكاتورية؛ ذلك لأن الفنان لا يلجأ إلى الكتابة إلا حين يشعر أن رسمته ناقصة أو ليست كافية لتقديم الرسالة، فالرسمة الكاريكاتورية المتميزة توصل رسالتها بأقصر الطرق دون الحاجة إلى الكتابة التوضيحية عليها”.

ويرى غيلان أنّ لجوء الرسام لشرح الكاريكاتير، يعكس رسالة سلبية بنقصان رسالته من جهة، وتعاليًا على القارئ من جهة أخرى، إذ يفترض الرسام جهلَ القارئ وعدم فهمه لما قدم له، علاوة على السطو على مساحته للتفكير والفهم، وسلبه بذلك فرحته وضحكته وهو يكتشف ما يرمي إليه الفنان.

ويضيف: “الرسمة الكاريكاتورية هي ما تقدّم رسالتها لكل الناس، المثقف وغير المثقف، وقد لا يرى القارئ من الصحيفة غير رسمتها الكاريكاتورية، وهو بالفعل ما يحدث، فقد كان عددٌ من القراء للصحف اليمنية سابقًا لا يأخذون منها إلا العنوان البارز ثم يذهبون إلى الصفحة الأخيرة لرؤية رسمة الكاريكاتير”.

وكسائر شعوب العالم، بات الكاريكاتير بالنسبة لليمنيين يشكّل متنفسًا للتعبير عن الرأي، والرفض، وحتى التأييد لبعض الأحداث والقضايا، خاصة في ظلّ التضييق والخنق الذي تمارسه القوى المتصارعة، على حرية الرأي والتعبير.

نقلا عن منصة “خيوط”