راضي شحادة كاتب وروائي ومسرحي فلسطيني
الفنّ مرتبط جذريّاً ببيئته
الفنان الفلسطيني “نبيل عناني” فنّان تَشكيلي مثابر ومعطاء، يكرّس حياته لفنّ النّحت والرّسم، ويصرّ بأنّ الفنّ بشكل عام يجب أن يستقي قوّته من بيئته، وأن لا يكون معزولاً عن قضايا مجتمعه وشعبه وأمّته.
“نبيل” هو أحد الفنّانين الفلسطينيّين التّشكيليّين الرّوّاد ومن الذين تستطيع أن تشاهد لوحته فتعرف رأساً من أسلوبه الخاص أنّها له قبل أن تقرأ توقيعه عليها. إنّه من جيل الفنّانين الذين رَسَموا وشقّوا طريقهم بعَرق جباههم وبمختبراتهم. كل منهم لديه ميزته ولونه وتجربته الخاصة وشخصيّته الإبداعيّة المميّزة. منهم على سبيل المثال لا الحصر “سليمان منصور”، و”تيسير بركات”، و”اسماعيل شمّوط” و”تمام الأكحل” و”عبدل الرحمن المزيّن” و”كريم دبّاح”، و”ابراهيم سابا” و”عصام بدر” و”ڤيرا تماري” و”فتحي غبن” و”اسماعيل عاشور” و”بشير السنوار” و”طالب دويك” وابراهيم المزيّن”..وغيرهم كثيرون، أسسّوا للفن التشكيلي الفلسطيني بقدراتهم الذّاتية وبمجهود عِصاميّ.
خاض “نبيل” أسلوب التّجريب المختبري بأدوات منتقاة من بيئتنا، فأنجز منحوتات ولوحات جلديّة، واستعمل ألواناً من البيئة المحليّة كالحنّاء والسّماق والشاي والكركم والتوابل والأعشاب والأصباغ والطين والقش وغيرها…هذا بما يخصّ النّاحية الشّكليّة في فنّه التّشكيلي.
لم يرسم او ينحت “نبيل” أعماله، كسائر زملائه المؤسّسين للفنّ الفلسطيني التّشكيلي المميَّز لمجرد الرّسم ولمجرد النّحت والتقليد، بل إنّهم أصحاب مختبرات تجريبيّة اجتهدوا من خلالها في البحث عن أدواتهم الخاصة المستقاة شكلاً ومضموناً من واقعنا المعاش، وهذا ما جعلهم غير مُقلِّدين، بل أصحاب مذاهب او أساليب تميّزهم عن غيرهم من مقلّدين لأساليب الآخرين، أو من الذين اكتفوا بتقليد المناظر الطبيعيّة كما هي، بدون أن يصيغوا من لوحاتهم ومنحوتاتهم أسلوبهم الخاص.
وأمّا بما يخصّ المضمون، فقد خاض “نبيل” مع بعض أصدقائه نقاشاً جوهرياً فيما إذا يحقّ للفنّان أن يعبّر في إبداعه عن واقع اجتماعي او سياسي معيّنين، وبخاصة أننّا نعيش تحت الاحتلال، ما يعطينا الحقّ بجعل الفنّ خادما وجزءاً من الواقع المعاش.
في فترة السّبعينات من القرن الماضي انتقد بعض الفنّانين الفلسطينيّين في الشّتات أسلوب إقحام المواضيع السّياسيّة في الإبداع، معتبرين أنّ الموضوع السّياسي سيكون على حساب القيمة الجمالية والفنّية، وأنّه يقلّل من المستوى الفنّي للعمل المـُنتَج، وربما لا يزال بعضهم ينتهجون هذا النوع من النّقد الى يومنا هذا.
وفي المقابل فإنّ “نبيل” وبعض زملائه الذين يعيشون في ظلّ ظروف احتلال، وواقع سياسي معقّد ومركّب، يعتقدون أنّ من حقّ الفنّان أن يُنتِج عملاً جميلاً وعلى مستوى فنّي راقٍ، مع ترك المجال للمتلقّي بأن يستوحي منه بأنّه يعبّر عن واقع سياسي او اجتماعي معيّن، وبخاصة أنّ الرّمزيّة السّياسيّة غير المخطّط لها، كان لها دور مهم جدا في ربط الحركة الفنيّة التّشكيليّة الفلسطينيّة بالجماهير وبالمؤسسّات المحليّة.
وكما يقول “نبيل”: “في ظل حياة امتازت بالطّابع السّياسي في ذلك الوقت وبشكل تلقائي ومن دون تخطيط، ساهم ذلك في التفاف الناس العاديّين وجمهور واسعٍ من مختلف قطاعات الشّعب الفلسطيني حول الفنّ، الأمر الذي أدّى الى نشوء الحركة التّشكيليّة في الأراضي المحتلّة وتطوّرها وتجذرّها فيها”.
أعمال “نبيل عناني” مستوحاة من التراث الفلسطيني وتُشبهه، إلّا أنّها ليست تقليداً أعمى له، فَــ”نَبيل” يؤمن بضرورة عَصْرَنة التّراث، ويصرّ بأنّ نظرة الفنّان الجماليّة في استعمال أدواته بشكل عصري ومجدَّد، هي التي تجعله غير مقلّد للتّراث بشكله المتحفيّ الجامد، ويجد أنّ المنتوج الإبداعي يمكنه أن يكون مستوحى من التّراث، ومن الواقع السّياسي، شريطة أن يكون توازن بين النّاحية الجماليّة والشّكليّة.
على الرغم من صعوبة التّجربة منذ طفولته، إلّا أنّ حُبّ الفنّان “نبيل عناني” وشغفه بفنّ الرّسم والنّحت، جعَلَه يصرّ على التّشبّث بالفنّ التّشكيلي، وجعله طريقة حياة، وكل ذلك أكسَبهُ خبرة تراكميّة جعلته مُميّزاً ومن روّاد ومؤسسي الحركة التشكيليّة الفلسطينيّة في الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة.