تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » تكتيك مدروس في الحبكة العامة لتكتيك، وركاكة واضحة في الحوارات.

تكتيك مدروس في الحبكة العامة لتكتيك، وركاكة واضحة في الحوارات.

للناقد محمد شويع

ظهر مسلسل تكتيك كمغامرة خطيرة وشجاعة، جازف فيها الكاتب والمخرج محمد فاروق الغصيني، وشريكه في التأليف صلاح الدين نعمان. فأن تعلن عن مسلسل أكشن في بيئة فنية لم تتقن بعد أدنى معايير الدراما، وتقفز بكل شجاعة معلنا عن مسلسل الأكشن فهو تحدٍ كبير وإعلان لم نتوقعه من فريق شاب لم يسبق له تجربة في هذا المجال لكن هنالك ما يمكن أن يقبل. رغم ان نسبة الاكشن ليست بحجم ما توقعناه من الاعلانات لكنها جيدة وتبشر بخير للدراما اليمنية.

مزايا عامة للمسلسل
المسلسل كبقية المسلسلات اليمنية وبشهادة الجميع قفز قفزة فنية رائعة في مستوى الإخراج، ويحسب له التنوع الرائع في مواقع التصوير “locations” وكذلك جودة التصوير “quality” فكما هو واضح استخدام فاروق لتقنية Ultra HD أو ما نسمه في المصطلحات الفنية ” 4K ” بجودة صورة تصل لـ 2160 بكسل منحنا صورة جميلة تعوض ولو جزئيا الفقر الشديد في المحتوى ” النص ” كذلك يحسب للمخرج قوته في تكوين الصورة ” Composition ” سواء من بناء لوني لموقع التصوير وتوزيع الإضاءات فيه أو وقوفه شخصيا على مرحلة تصحيح الألوان وتعديلها او ما يسمى بالـ ” color correction ”

إلا أني أعتب علي المخرج في بعض اللقطات الطويلة “Long shot ” وكلنا يعرف أن اللقطات الطويلة تؤسس مكان التواجد فقط لكن المشاعر لا تظهرها إلا اللقطات القريبة close up shot فكنا نحتاج في بعض المشاهد الى تشرب المشاعر بينما يطيل المخرج في لقطات اللونق وعادة تفرض هذه المشكلة على المخرج بسبب تهرب فني المونتاج من تتبع اللقطات من الكاميرات الأخرى فيختصر الأمر بالاعتماد أطول مدة ممكنة على لقطة واحدة، أو عندما يضيق وقت التصوير فيضطر المنتج أن ينجز أكبر عدد من المشاهد فيتجاهل المخرج اللقطات القريبة ويكتفي باللقطات البعيدة.

مثال على ذلك : في الحلقة ١٤ استمرت اللقطة اللونق من التوقيت ٠٤:٠٠ وحتى التوقيت ٠٤:٥٣ ثم لقطة متوسطة ومن التوقيت ٠٤:٥٣ وحتى ٥:٢٠ “تو شوت” وبعيدة ايضا لا تتمكن من قراءة الملامح ثم يعود للقطة لونق من التوقيت ٠٥:٢١ حتى التوقيت ٠٧:٠٣ .

من المزايا التي لفتت انتباهي واعتبرها غريبة جداً على قناة المسيرة، هو عدم إقحام المسلسل – كما هو معتاد في أي دراما يمنية – بالهدف السياسي للقناة بشكل مباشر او فج ، وباعتبار المسلسل كما هو واضح في رسالته هو بناء هيبة الدولة لدى المواطن، فالفكرة قد نجحت في استخدام الرمزية لا المباشرة فالعقل الباطن لنا كبشر يميل ويتفاعل أكثر مع الرمزية ” صحيح أن بعض الحوارات مباشرة وساذجة وتشبه التلقين في إذاعة مدرسية عندما يتحدثون عن التعاون مع الدولة ” لكن الحبكة العامة لم يتم حشوها بتوجه القناة وأعتقد هكذا تنجح المسيرة أكثر في الوصول لهدف المسلسل فأن تصرف قناة المسيرة ملايين الدولارات لإنجاح المسلسل ولا تضع بشكل مباشر توجهها السياسي، فهو نجاح حقيقي لها، مع أنني أخشى تماما أن يحصل ما حصل عبدالرحمن دلاق في بعد الغياب إذ بدأ كمسلسل اجتماعي لاهدف سياسي فيه وفي الحلقات الأخيرة اقحمت السياسة بشكل مباشر وفج ألغت كل الحماس مع المسلسل وتحول الأمر لسياسة مباشرة أتمنى أن لا يتكرر ذلك هنا.

الخط الدرامي والحبكات المتفرعة

كما يتضح لنا أن الخط الدرامي محبوك بذكاء ولا يمكن أن تتوقع القادم وكان ذلك حاصلا من الحلقة الأولى حتى الحلقة الثانية عشر، ثم هبط قليلا فن التلغيز للنص وسأتحدث لاحقا ضمن المقال عن هذه النقطة، لكن المسلسل له خط درامي واضح مفاجئ لا يمكن النتبوء بأحداثه غالبا. أعجبني جدا وجود مسارات ثلاثة لعصابات ثلاث كل عصابة فيهم لها أحداثها الخاصة ” عصابة أدهم – فوزي وشاكر – كبير وشلته ” ومع أن المخرج أو الكاتب جعل لكل منها أحداثا مختلفة وأفكار منطقية للربط بينهم، لكن المشكلة أن لديهم سوء توزيع للأحداث فتجد ارتفاع الأحداث والجرائم لدى الثلاث العصابات في نفس التوقيت والحلقة، والهدوء يعم الثلاث العصابات في نفس الحلقات تقريبا مما يجعل مسار المسلسل متفاوت فهنالك حلقات مرتفعة النشاط وأخرى تبدو عادية فماذا لو جعل لكل عصابة حلقة لرفع وتيرة احداثها وأجل حدث العصابة الثانية لحلقة أخرى، لساوى في حيوية الحلقات كلها وكان أيقاع المسلسل عالٍ باستمرار.

الشخصيات والتركيب النفسي

يؤسفني القول أنني وحتى الآن لم أجد من أية مسلسل يمني دراسة حقيقية للتركيبة النفسية للشخصيات ولا مهنية في دراسة التاريخ الشخصي وتطور الشخصيات داخل الرواية والدوافع البنائية والمؤثرة في الشخصية الا بشكل طفيف وسطحي، وهذا ما يجعل الممثل تائها في أدائه وتقمص الحالة الشعورية لكل مشهد، بل أنه غالبا يختلق ردود الفعل بشكل ارتجالي لا يتناسب مع تسلسل الأحداث ،هذا ما يسبب ملل للمشاهد. وتجد ممثل يركب على مكون شخصية أخرى ويتقمص دورها من غير وعي، والشيء الممل جدا في هذا المسلسل أن الكل يحاول إلقاء الفكاهة أو ممارسة الكوميديا وهو في معطيات القصة مجرم وعضو عصابة ونحن لو راجعنا قليلا التفسير المنطقي لفكاهة رجل العصابة فهي غالبا تكون اسقاطات ناقمة ساخرة من الأوضاع أو غالبا تكون اسقاطات تبريرية يتخذها ليبرر لنفسه اجرامه المهم أنها عبارات صادرة عن شخصية ذكية والا كيف اصبح مجرما

بينما تجد محمد قحطان مثلا والذي يقوم بشخصية كبير، يتناقض كثيرا في تركيب شخصية كبير فهو المجرم الذي قسى قلبه على امه والمجرم الذي يكسر كل عضو في العصابة لو خالفه والشجاع الذي يقدم على جرائم العصابة ويشجع البقية لكنه في الكوميديا شخص لطيف يسقط نكات هزيلة ” زبجات ” يقولها شخص لطيف حبوب يريد فعلا تلطيف الجو وهنا يقوم بكسر المكون العام للشخصية .

مشكلة أخرى لم أفهمها لماذا تعمد اختيار العاهات في عصابة ادهم فتلاحظ ” احول وأعور وأعرج وقزم ” المؤلف هنا بصورة غير واعية وجه رسالة غير مباشرة أن كل ذي عاهة يتجه للإجرام وهذا في المنطق غير وارد.. خصوصا انه لم يجعل عاهة أخرى في الجانب الانساني لدى شخص سوي وخلق معاناتها الخاصة وتحقيق القيم فيها ليتم التوازن في فهم طبائع ذوي العاهات منطقيا.

تجربة الأكشن

أحيي المخرج حقيقة على ذكاءه في اختيار اللقطات القريبة والقصيرة جدا والتي لا تفضح ضعف لياقة الممثلين ولا تكشف شحة الامكانيات والخدع لدينا، فاللقطات القريبة تكون صورة شبه واقعية لا يدرك المشاهد عيوبها خصوصا أن التقطيع من لقطة للقطة أخرى أثناء مشاهد الاكشن سريع وهنا ربما سأوعز أكثر المهنية للمونتير للمبدع Sam Alyateem وتوجيهات المخرج بلاشك.

عيوب في الحوار

  • الحشو الغير مبرر
  • الحشو التعبوي الغير مرغوب ” نمط إذاعات المدارس ” وتلقين القيم بطريقة فجة فبدلا من وضع موقف ” دافع ” يُطرح الكلام عبره من الواضح أن المؤلف يطرح قيم بطريقة الحشو الغير مدروس ولا مهيأ له مكان للطرح خصوصا عند الفندم كمال والفندم هاني بل تجاوز ذلك الى ان يطرح بعض القيم وبشكل غريب كبير المجرمين أدهم وهو يخاطب ناشط المنظمات ويقول له ” انت تعيش على دم المساكين ” أو محمد قحطان وهو يقول ” الناس شركاء في ثلاثة ….. أو عندما قال سرق تعلموا المبادئ ” أو الضابط هاني في حواره مع أمه واخته عن جارتهم وهو يعطيها التوصيات بوجوب اللجوء للدولة.

  • المباشرة الفجة
  • لم أر في العالم ولا حتى في الواقع اليمني أن العصابات المجرمة تظل تكرر حتى فيما بينها العبارات التي تفضحها مثلا احنا عصابة، وهكذا الاجرام، واحنا مجرمين، فالمنطق أن العصابات هي مجموعة من الرجال الأذكياء يستخدمون التلغيز والاسقاطات الغير مباشرة للترميز لكل عملياتهم الحيوية ” ولو أن المؤلف يشاهد أفلام خالد يوسف الشعبية او مسلسلات مصر التي تمثل في حارات شعبية خصوصا، أو لو يتابع مثلا سلسلة FAST AND FURIOUS سيلاحظ أن هذا الاسلوب الذي ينهج لا يمت للأكشن وعالم الاجرام بصلة.

    الحشو الفني
    الحشو الغير مبرر أحيانا لاطالة المشهد وتعبئة الوقت ونموذج لذلك مشهد التحقيق في الحلقة ١٢ ابتداءً من التوقيت ١٥:٥٨ وحتى ١٦:٥٨ هي عبارة عن انسرتات عامة للتحقيق استمرت لمدة دقيقة لم يغير المخرج فيها النمط اذ اعتمد على لقطة اللونق للتعريف بمن هو المحقق معه ثم عمد إلى ٣ لقطات قريبة للضابط والكاتب والمحقق معه، وأعاده نفس الحكاية ٦ مرات بنفس الالية ونفس الوقت ومن نفس الزاوية، أحيانا كانت التعبئة من قبل المخرج أو المونتاج واضحة لتمديد وقت الحلقة، لكن ذلك يقتل روح الحماس مع الأكشن فالدقيقة في عالم الاكشن اليوم يمكن أن ينتج فيها قصة كاملة.

    بعض عيوب في الحبكة
    رغم قوة جميع الحبكات في المسلسل وتوازيها وترابطها الا اني استغربت كيف بني الشك على كمال أنه من قتل السجين بدون مبرر وبدأ الكل من بعد موت السجين يتوقعون حبس كمال لمجرد أن المشاهد يعرف ان العلبة في مكتبه، هنا كان لابد للكاتب أن يحاكي المنطق التسلسلي للدراما لا ما يعرفه المشاهد، المشاهد توقع حبس كمال لانه يرى ذلك لكن الكاتب المفترض ان يسلسل أحداث اضافية تسوق الجميع لاتهام كمال وكانت المشاهد ستكون في أعلى معدلاتها لو أن يتعامل كمال مع الموقف وهو لا يعرف انه سيتم اتهامه هو لانه لا يعرف لكن فجأة خلط الكاتب شعور المشاهد بشعور الممثل وجعل جميع الممثلين ينطقون بحبس كمال قبل ان يُكتشف حتى مكان علبة السم، اذن هل فعلا في القانون اليمني حين تحصل جريمة في مرفق مباشرة يسجن مدير الموفق ؟

    عموما المسلسل رائع ويستحق المتابعة وكما قلت سابقا وسأظل أقول النقد ليس للمحاربة انما أملا في أن يتغير واقع الدراما اليمنية للأفضل.