تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » الكثيري يكتب عن أغنية “يا مركب الهند”

الكثيري يكتب عن أغنية “يا مركب الهند”

الكثيري يكتب عن أغنية "يا مركب الهند"

 

مسلم بن أحمد الكثيري*

يا مركب الهند أبو دقلين .. يا ليتني كنت ربانك

بعبر بك البر والبحرين .. وبا نزل المال في خانك

وبا نقسم الفائدة نصفين .. الله يخون الذي خانك

هذه بعض الأبيات من نص أغنية “يا مركب الهند” للشاعر يحيى عمر اليافعي أبو معجب (ت. حوالي:1749)، وهي واحدة من أقدم الأغاني التي غناها سالم بن راشد الصوري (ت.1979) وأشهرها في سجله الغنائي في مرحلة البحرين إن جاز التصنيف. وفي حوار إذاعي له مسجل في إذاعة سلطنة عُمان ينسب الصوري لحنها إلى نفسه، كما غناها مطربون آخرون قبله وبعده بألحان مختلفة. وسالم الصوري كان شاعرا ومغنيا وعازفا للعود وملحنا، واعتقد أيضا إنه كان قد تعلم في الهند شيئا من العزف على آلة الكمان، كما نستنتج من تسجيلاته وتسجيلات معاصريه أن بعض العازفين على هذه الآلة وبعض الآلات الإيقاعية كانوا متوفرين بالهند ويصاحبون المطربين في مناسبات مختلفة، وربما كان بعضهم من الجاليات العربية، ولكن شركات الإنتاج الموسيقي في ذلك الوقت ما كانت تهتم بذكر أسمائهم ولا بزيادة عددهم بهدف التقليل من تكاليف الإنتاج وزيادة الأرباح.

وكلما استمعت إلى الصوري أشعر بأسف شديد على عدم توفر توثيق شامل لسيرة حياة هذا الفنان المقدام والمؤسس، فهو على الرغم من بساطة تعليمه وتواضع مهاراته الفنية كما هو الحال مع معظم مطربي جيله، إلا أنه تمكن بأسلوبه الخاص من وضع الغناء العُماني العُودي على قمة الغناء في الجزيرة العربية من خلال بلورة أسلوبه الفني الخاص في التلحين والغناء. ويستطيع القارئ ملاحظة ذلك في عدد من أغانيه مثل (لا الحصر): “خاف الله”، و”حبيبي اليوم ما أشوفه”، و”يا حلوة يا جارة”، كما استطاع توطين عدد من القوالب الفنية اللحنية والإيقاعية الحضرمية الشائعة في ذلك الوقت، وأغنية: “يا مركب الهند” وضربها الإيقاعي وقالبها الفني اللحني مثال على هذا المنحى. ولكن الصوري تميز بأنه مصوّت كبير، قدّم العديد من الأصوات للإذاعة والتلفزيون وله فيها أسلوب خاص يمكن تتبعه ودراسته من خلال المتوفر من التسجيلات السمعية والبصرية. علمًا بأن أول تسجيل له حسب روايته كان في النصف الأول من أربعينيات القرن العشرين الماضي، وهما صوتان، الأول صوت شرح (أو صوت خليجي كما يعرف اليوم) بعنوان: “يقول أخو علوي”، وصوت ختام، بعنوان: يحيى عمر قال للعشق فنون”. كان الأول للشاعر والمغني الجوال المشهور بأخو علوي، وقد شرحت ذلك في دراسة سابقة منشورة في مجلة نزوى المحترمة بعنوان: “جذور غناء العوادين العُمانيين وتطوره”، أما الثاني فهو من توقيع يحيى عمر كما هو واضح. وفي كتابه الهام بعنوان: “مقدمات في الأغنية الحضرمية” يذكر الباحث والفنان الحضرمي عمر عبدالرحمن العيدروس، أن أخو علوي هو: زين العابدين الحداد، ويقدّر سنة وفاته في عام 1745م، فيما يضيف الباحث البحريني في كتابه الهام أيضا بعنوان: “محمد بن فارس أشهر من غنّى الصوت” إن اسمه: زين العابدين بن عبدالله العلوي الحداد، ويذكر إنه توفي في مدينة صور حوالي (1157هـ 1744م)، فيما ذكر لي الباحث الفرنسي جان لامبير إنه توفي في بلدة الصير/ أو الصيرة وهي رأس الخيمة اليوم بالإمارات العربية المتحدة على ما اعتقد. وتتفق مصادري بأن أخو علوي هو شاعر ومغنٍ من أصول حضرمية. أما صوت الختام في ذلك التسجيل كان كما ذكرت للشاعر والمغني يحيى عمر اليافعي أبو معجب اليافعي.

ومن الملاحظ أن مطربي الغناء العودي في القرن العشرين في عُمان والخليج توارثوا كثيرا من نصوص وألحان يحيى عمر وزملائه اليمنيين والحضارم الذين عاشوا قبلهم بما لا يقل عن قرنين من الزمن من ظهور تقنيات التسجيل الصوتي في المنطقة، حيث كان الجميع في ذلك الوقت يعتمد على إعادة أداء تراثهم الغنائي والشعري إلى جانب ما يألفونه من أشعار على نفس الألحان والقوالب الفنية والضروب الإيقاعية كل حسب مهاراته وأسلوبه. ولكن، أخشى إننا في عُمان لا نستطيع الذهاب أبعد من تاريخ التسجيل الأول للصوري، وربما فقدنا جزءا كبيرا من السجل التاريخي للغناء العودي العُماني على الرغم من قِدم الممارسة في بعض حواضر عُمان سرًا أو علنًا، فذاكرتنا العودية لا تتجاوز للأسف الأربعينات من القرن العشرين مع رواد الأسطوانات.

يقول الصوري في إحدى مقابلاته في إذاعة سلطنة عُمان: “عشت مع الفن من أيام صغري، كان عندنا الرزحة الفن الشعبي هي المفضلة عندنا، وهي الأولى، وأنا أفضلها ولا زلت أفضلها حتى على أغانيي على العود “.

*كاتب عماني