تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » غربة الثقافة البصرية

غربة الثقافة البصرية

غربة الثقافة البصرية

 

يحتل الفن التشكيلي، مكانة بارزة ضمن منظومة الإبداعات البصرية في العالم العربي، حيث تبرز قائمة كبيرة بأسماء فنانين عرب استطاعوا أن يضعوا بصمة متميزة في بلدانهم بل وعلى المستوى الدولي، كما يوجد العديد من الأنشطة الفنية الكبيرة في بعض الدول من حيث المهرجانات والفعاليات والمعارض التي يشارك فيها فنانون من دول مختلفة، وذلك أمر طبيعي فالفنون البصرية ذات إرث كبير في الثقافة العربية والإسلامية، وبالتالي فإن الحراك الإبداعي في هذا المجال هو مسألة في غاية الأهمية فهو يعبر عن التاريخ والثقافة والحضارة، ونلاحظ أن عدداً من اللوحات لمبدعين عرب، قد فازت بجوائز قيّمة، وبيعت في مزادات عالمية، مما يشير إلى ازدهار هذا الفن في عالمنا العربي.

وعلى الرغم من هذا الكمّ الكبير من الفنانين، والمنتج الإبداعي، والنشاط الفني، إلا أن هناك نقصاً في أهم أركان الحراك الفني في أية دولة عربية، وهو الجمهور، فقلةٌ هي تلك التي تتابع الفعل الإبداعي وتشارك في المهرجانات والأنشطة والمناسبات الخاصة بالفنون التشكيلية، مما يجعل هذه الإبداعات مختلفة عن الفنون والآداب الأخرى مثل الشعر بشقّيه الفصيح والشعبي، والمسرح أو السينما، فهي إبداعات تتمتّع بقدر من الجماهيرية، بل وتزداد شعبيتها يوماً بعد يوم، وهو أمر يطرح العديد من الأسئلة حول طبيعة الفن التشكيلي نفسه من ناحية هل يعتبر من الفنون الصعبة التي تحتاج إلى قدر من الذائقة البصرية والثقافة والخبرة؟، وكيف يمكن جذب الجمهور نحو هذه الإبداعات المهمة، كونها فنوناً راقية تعبر عن الإنسان والحضارة والتراث، وترصد الراهن في تغيراته وتحولاته؟، وكيف يمكن ردم الفجوة أو الهوة بين الأشخاص العاديين والفنون البصرية، ونقول «العاديين»، لأن هذه الإبداعات تحتاج بالفعل إلى رصيد من الخبرة والمعارف والذائقة ناحية قراءة اللوحة وتفسيرها، وتتعزز هذه الأهمية في أن الفنون التشكيلية تتطور يوماً بعد يوم، فلئن كان المشاهد في الماضي يحتاج إلى قدر من الذائقة من أجل فهم موضوعات اللوحة، فإن التطور في الفنون يفرض على المتلقي أن يعزز من ثقافته الفنية من أجل فهم اللوحة وما وراء العمل الإبداعي من معانٍ غائبة عن المشهد، حيث يكون على المشاهد مسؤولية فهمه وتأويله بدلالة العلامات والرموز في اللوحة.

ولعل من المفارقات اللافتة في المعارض الفنية التي تعقد هنا وهناك، وجود لوحات يقال إنها تعبر عن البيئة والمجتمع والعادات، في حين تجد أن بعض الجمهور عاجز عن فهم المشهد الذي أمامه في اللوحة، وربما ذلك يجرح بعض الشيء في رسالة ذلك الفن العظيم باعتبار أن الرؤية أو المحتوى الذي تحمله تلك الرسالة محاط بتشويش كبير وهو وجود المتلقي خارج الإطار الدلالي؛ أي عدم مقدرته على فهم الرسالة إلا من خلال الشرح، وبالمقابل لا يوجد رغبة في اتجاه جعل اللوحات والأعمال التشكيلية أكثر وضوحاً وقابلة للقراءة؛ حيث إن الفنانين أنفسهم في كثير من الأحيان يبدو أنهم سعداء بسلطة المعرفة الحصرية تلك، ذلك الأمر يخلق فجوة كبيرة بين الفنان ورسوماته وتجهيزاته وبين الجمهور.

ولئن كانت هناك حاجة للتثقيف من قبل الجمهور من أجل الإقبال على الفن التشكيلي، فإن هنالك، بالمقابل، مسؤولية تقع كذلك على الفنانين أنفسهم، فالكثير من الجمهور ينظرون إلى الفنون التشكيلية كإبداع نخبوي؛ أي خاص بالنخبة المثقفة والمتعلمة والمتخصصة دون غيرهم، وبالتالي لا فائدة من نشاط يكون جمهوره من المتخصصين فقط؛ أي من داخل دائرة الفنانين أنفسهم، فلابد أن تنكسر تلك الحلقة وتنفتح لصالح الجمهور، بأن لا يحلق الفن التشكيلي بعيداً عن هموم وقضايا الجمهور التي تمثل عامل جذب بالنسبة لهم، وبدلاً من أن تقام معارض الإبداعات البصرية في قاعات مغلقة يقصدها النخبة، فلابد أن تجرى أنشطتها في الهواء الطلق، أو الأماكن العامة، أو تصبح جزءاً من الفعاليات الفنية أو الأدبية الأخرى، بحيث يعتاد عليها الجمهور ويخلق معها نوعاً من العلاقة، فمن هنا يبدأ التواصل بين المتلقي وهذا الفن الصعب، وكذلك لابد من الاهتمام بالتوسع في مادة الفنون في المناهج الدراسية، حتى تتكون الذائقة البصرية لدى الصغار، بحيث يصبحون هم جمهور الفنون التشكيلية في المستقبل، وبالتالي فهناك أيضاً مسؤولية تقع على المؤسسات الثقافية في خلق ثقافة فنية تحبب هذا الإبداع.