جوستاف كاييبوت (1848-1894) رسام فرنسي، ينتمي لعائلة باريسية من الطبقة العليا كانت تعيش في شارع «فوبورج سان دوني». كان والده (مارتيال كايليبوت 1799–1874)، وريث شركة منسوجات كبيرة، وكان أيضاً قاضياً في محكمة التجارة في مدينة (لا السين). وعندما بنى والده منزلاً جديداً في بلدة «ييريس» في عام 1860، بدأت عائلة كاييبوت تقضي الصيف بانتظام في هذه البلدة التي تقع على نهر «ييريس» على بعد نحو 20 كم جنوب باريس، وقد شجع هذا المنزل الكبير بما فيه من مناظر ساحرة جوستاف على تعلم الرسم والتلوين.
حصل كاييبوت على شهادة في القانون عام 1868 وترخيص لممارسة المحاماة عام 1870، وكان أيضاً مهندساً، بعد وقت قصير من تعليمه، تم تجنيده للقتال في الحرب الفرنسية البروسية، وخدم بين يوليو 1870 إلى مارس 1871.
بعد الحرب، بدأ كاييبوت بزيارة استوديو الرسام ليون بونات، فدرس الرسم بجدية، ونظراً لاجتهاده الملحوظ بدأ يطور أسلوباً خاصاً به في وقت قصير نسبياً، وأقام أول استوديو له في منزل والديه. في عام 1873، دخل كاييبوت مدرسة الفنون الجميلة، ولكنه لم يقض الكثير من الوقت هناك.
*معارض
نحو عام 1874، التقى كاييبوت وصادق العديد من الفنانين العاملين خارج أكاديمية الفنون الجميلة، بما في ذلك إدغار ديغا وجوزيبي دي نيتيس، وشارك في العديد من المعارض الانطباعية من عام 1876 إلى عام 1882، فهو تقليدي يرتبط بالمدرسة الانطباعية، ولكن تقديرات معظم خبراء الفن أنه كان أقرب إلى المدرسة الواقعية التي تتدفق من الأسلوب الانطباعي، من أكثر لوحاته شهرة «مستأجري الباركيه» ورسمها في 1875، عرف كاييبوت على نحو خاص بلوحاته التي تصور مناظرعديدة من مناخات الريف الفرنسي، ومن لوحاته الشهيرة كذلك «منظر من الريف» التي صورها في«ييريس»، واللوحة رسمت بالزيت على قماش، في عام 1876، وهي تظهر أربع نساء أو شخصيات من عائلة الفنان، يستمتعن تحت ظلال أشجار البرتقال خلال فترة ما بعد الظهيرة، والنساء هن: ماري كاييبوت وتظهر في المقدمة بفستانها الأزرق وتبدو مشغولة بأعمال الخياطة والتطريز، وماري هي ابنة عم الرسام، حيث سيقدم الفنان هذه اللوحة كهدية زفاف لماري، أما السيدتان المتواجهتان فهما: ماري أماندا شومو وهي عمة الفنان ووالدة ماري، الثانية هي صديقة العائلة مدام هيو والتي تظهر جالسة على المقعد الطويل باللون الأخضر، كما تظهر في خلفية اللوحة سيليستي دوغريسن وهي والدة الفنان وتظهر وهي تمارس عادة القراءة أمام مجموعة من النباتات.
سعى كاييبوت من خلال هذا المنظر الريفي إلى خلق تكوين يحافظ على عمق الفكرة التي يود طرحها من خلال الرسم، لذا، فقد أظهر ابنة عمه في مقدمة الرسم، وقام بتوزيع بقية الشخصيات بمحاذاة واجهة المنزل، وقد تميزت اللوحة بإبراز المنظر الريفي الخلاب الذي ظهر بشكل جلي سواء من خلال النباتات وكذلك أشجار البرتقال في الخلفية المشمسة.
ولكي يسلط كاييبوت الضوء على قوة التكوين في اللوحة، استخدم تباينات لونية قوية أبعدته بشكل جذري عن الرسم الأكاديمي في عصره، قوة التكوين هذه، تظهر في اللون الأزرق لفستان ماري، واللون الأسود للسيدات الأكبر سناً، ثم الكتلة الحمراء، وأخيراً الخلفية المشمسة التي تميل نحو الأبيض.
*براعة
التوفيق بين المناظر الطبيعية الواسعة والعميقة والصورة الجماعية للسيدات، أبرزت البراعة الاستثنائية في عمل كاييبوت، فهو قد قام بجمع شمل الأسرة في منظر طبيعي مدهش، اللوحة تميزت و- كما أشير سابقاً – بمخالفة أساليب المدرسة الأكاديمية في الرسم من حيث الموضوع والألوان والتكوين، وقد قدمها الفنان كاييبوت في المعرض الانطباعي الثالث عام 1877، واعترف النقاد بذلك التناغم اللوني الساحر في اللوحة.