تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » «الصيادون في الثلج».. الفن لحظة بهجة

«الصيادون في الثلج».. الفن لحظة بهجة

 

يضعنا الرسام الفلمنكي الهولندي بيتر بروغل الأب «1525 1569»، أمام الطبيعة بكل سحرها، فقد اشتهر بذلك النوع من الرسم الذي يستنطق البيئة المحيطة في الريف، ويحاورها، ويستجلي أسرارها، إلى جانب براعته الكبيرة في تصوير مشاهد من المواضيع الدينية والحكايات الأسطورية، حيث تميزت لوحاته عن الطبيعة بالحيوية، والشعور بالفرح، والسعادة، وبروغل هو أشهر رسامي عصر النهضة الهولندية في القرن السادس عشر، وقدم العديد من الممارسات الإبداعية الشاهدة على عبقريته، فهو من الفنانين المؤثرين في مشهد حركة الفنون العالمية، وله العديد من اللوحات الشهيرة الموجودة في عدد من المتاحف حول العالم.

«الصيادون في الثلج»، هي من أجمل اللوحات التي رسمها بروغل، وكان ذلك في عام 1565، بألوان الزيت على القماش، واعتبرت من الأيقونات الفنية الخالدة، وتنتمي إلى أسلوبيته في تصوير مشاهد الطبيعة، ذلك المنحى الإبداعي الذي أجاده، وتميز فيه بقوة، بخاصة عقب عودته من إيطاليا، حيث تمرّد على قواعد ومسارات الفن النهضوي، عبر موضوعاته التي أصر على رسمها، وكان نتاج ذلك الفعل الكثير من اللوحات والأعمال التي خلدت على مر الأزمنة، إذ استمر في رسم حياة الفلاحين، ولعل أكثر الأشياء اللافتة في أعمال بروغل، هو رسمه للوحات يصور فيها التغيرات، المناخية والبيئية، خلال تغيّر فصول السنة الأربعة، وأثر ذلك في حياة الريف، فكان أن صور حياة الناس في الصيف، والربيع، والخريف، وهذه اللوحة «الصيادون في الثلج»، هي بمثابة تصوير لحياة الريفيين في الشتاء، وموسم تساقط الثلوج، بخاصة أن معظم هؤلاء البسطاء يعملون في مهن مرتبطة بالطبيعة بصورة أساسية، مثل الصيد، والرعي، والزراعة، بالتالي، فإن حياتهم شديدة الارتباط بمواسم السنة المختلفة، وذلك ما أكدت عليه هذه اللوحة البديعة، التي حرص فيها الفنان على أن تجمع بين مشاعر البهجة والسرور، على الرغم من قسوة المناخ.

«الصيادون في الثلج».. الفن لحظة بهجة

وصف
تظهر اللوحة قرية في جبال الألب في يوم شتوي، حيث الثلج يتسيّد الموقف ويغطي كل المكان، وتظهر في الصورة بعض البرك المتجمدة، وفي الأفق تنهض الجبال المكسوة بالثلج بقمم حادة، كأنها حراب القدر المنصوبة التي توشك أن تفتك بالقرية، ويبرز في مشهد اللوحة ثلاثة صيادين يعودون إلى القرية مع كلابهم، وتظهر آثار أقدامهم فوق الثلج، يبدو أنهم أخفقوا في الصيد، فالرجال متثاقلون في سيرهم، وكلابهم منهكة، وآذانها متدلية، وبجانبهم مبنى قرميدي، وأمامه نار متوهجة باللون الأصفر الزاهي، مع الأحمر المشع، في تناقض صارخ مع منظر الثلوج التي تغطي المكان، وتسيطر بالأبيض والرمادي والأخضر المزرق على اللوحة، كما تظهر في اللوحة أشجار عارية متيبّسة، والسماء باللون الأخضر المتدرج بين الداكن المسود، والفاتح المزرق، وتبدو المنازل البعيدة كأنها أكوام من الثلوج، وقد نجح الفنان في تصوير التناقض بين حالة الجمود المتمثل في قسوة الشتاء وبرده القارص، وبين حرارة الحياة وحركتها الدائبة، فعلى الرغم من أن السماء ملبّدة بالغيوم، والجبال الحادة المكسوة بالثلج في أعلى اللوحة، إلا أن عدداً من سكان القرية يتزلجون فوق البحيرات المتجمدة، وفي يمين اللوحة نسوة يمشين فوق النهر المتجمد، وثمة شخص يسير على الجسر فوق النهر.

سحر
تميزت اللوحة بالمشاهد الساحرة والبديعة، وعلى الرغم من تساقط أوراق الأشجار، وبقائها عارية، إلا أن مشهد الجليد الأبيض وهو يغطي الأرض له سحره الخاص، وكذلك براعة الفنان في توظيف الألوان وتوزيعها بدرجاتها المختلفة، والمتناسبة مع الحدث، بحيث أستطاع أن يصنع مشاهد مبهجة للعين، وتشير إلى الحميمية والمحبة بين الناس في الصورة، وقد وجدت اللوحة صدى كبيراً بين النقاد، ومحبي الفنون، حتى يومنا هذا، وهي من أشهر أعمال بروغل، وقد عدت من قبل النقاد والمؤرخين ثورة فنية في وقتها، إذ خالفت السائد في رسم الموضوعات الطبيعية بصورة مبتكرة.

خلفية
يقال إن بروغل قد تأثر في هذه اللوحة بالمناخ الذي ساد أوروبا في عام ١٥٦٤، حيث عاشت القارة فصلاً شتوياً يعد أبرد شتاء في تاريخها حتى أُطلق عليه «عصر الجليد الصغير»، أصبحت فيه الأرض غير صالحة للزراعة، وتجمدت الأنهار، وتدمرت المحاصيل، ما أدى لتفشي المجاعات، والسلب، والنهب، وكانت فترة قاسية، الأمر الذي ترك أثراً بالغاً وكارثياً في أوروبا، وكان بروغل من أهم الفنانين الذين شهدوا هذه الفترة، وعبر عنها في العديد من لوحاته، ومن أشهرها هذه اللوحة إلى جانب أعمال أخرى مثل: «المتزلجون ومصيدة الطيور».