تفرد الرسام الفرنسي كلود مونيه «1840 1926»، بالغوص في تصوير الطبيعة ومفرداتها وهو يعتبر رائد المدرسة الانطباعية، ذلك الاسم الذي يعبر عن تيار فني هو في الأصل أخذ من إحدى لوحات مونيه «انطباع، شمس مشرقة»، وقد اعتمدت تلك الانطباعية أسلوباً متفرداً لم يكن معروفاً من قبل، حيث الألوان الساطعة والأضواء والظلال المختلفة، وقد أثرت هذه المدرسة في جيل كبير من الفنانين الفرنسيين والأوروبيين، حيث مثلت انقلاباً وثورة فنية، إذ هجر الفنانون أساليبهم وطرقهم القديمة والتقليدية في استخدام الألوان وضربات الفرشاة، وأقبلوا على الطريقة الانطباعية الجديدة.
لوحة «صاحبة المظلة»، أو «فتاة بمظلة» أو «النزهة»، هي من أشهر أعمال مونيه، وهي من نوعية الأعمال التي يتورط المشاهد في علاقة معها لما تحمله من قيم الجمال وبراعة تصوير مفردات الطبيعة من شمس وظلال وألوان متباينة وضربات فرشاة بارعة، فهي تنتمي إلى عوالم مونيه الإبداعية والفريدة وتمثل مدرسته الانطباعية في أبهى صورها، وفي تلك اللوحة نشاهد امرأة ترتدي فستاناً أبيض واسعاً يعكس لون السماء وضوء الشمس، وتحمل تلك السيدة في يدها مظلة بلون أخضر، فيما يقف إلى جوارها طفل يرتدي قبعة تحميه من وهج الشمس، ويظهر في أسفل اللوحة العشب الأخضر والأزهار الصفراء وظل السيدة الذي يظهر واضحاً كعنصر من عناصر اللوحة الأساسية.
مشهد أسري
اللوحة التي رسمت بألوان الزيت عام 1875، هي في الأصل عمل انطباعي يصور من خلاله مونيه زوجته كاميل وابنهما جان خلال نزهة في يوم صيفي عاصف، خلال الفترة التي عاشتها الأسرة في أرجنتوي في فرنسا ما بين 1871 إلى 1877، وفي هذا العمل يقوم مونيه بتأويل الطبيعة ومفرداتها من أزهار وورد وشمس ورياح وألوان، باعتماده الرشقات الخفيفة والعفوية، فكاميل ترتدي ملابس بيضاء وقبعة وتقف على تل، وجسدها ينزاح قليلاً عن المركز، لكنها متوازنة بصرياً بالمظلة الخضراء التي تحملها، ونلاحظ أن نظرتها أو حركة جسدها يشيران إلى أنها أدركت فجأة وجود المتفرج واستدارت نحوه، ويظهر خلفها وإلى يسار ابنهما «جان»، الذي كان في الثامنة من عمره تقريباً، وهو أيضاً يحدق باهتمام، كما يمنح خط الأفق المنخفض وموضع الجسم مقابل السماء الشكل إحساساً بالتميز.
اللوحة تعبر عن مشهد خاص لأسرة، وتم تنفيذه من قبل الفنان بخفة وسرعة في الهواء الطلق في جلسة واحدة، وتجلت عبقرية مونيه في التقاط تفاصيل الطبيعة من حوله معبراً عنها بألوان زاهية، وتشير اللوحة إلى أن مونيه قام برسم السماء أولاً بضربات متفاوتة، وخطوط عريضة، وقام بتنقيح مشهد السماء بعد أن أضاف إليها الشخوص، ثم ركز بعد ذلك على طلاء العشب من خلال ضربات قصيرة بدرجات مختلفة من الألوان الأخضر والأزرق والأصفر والأحمر، مع ممرات واسعة من اللون الأزرق، ثم استخدم اللون الأخضر للظل والمناطق المشمسة.
اتزان
عمل مونيه من خلال اللوحة على تحقيق قدر من الاتزان حيث نجد أن المرأة «كاميل»، هي العنصر الرئيسي في العمل؛ وهي تقف في الجهة اليمنى من اللوحة، تحدث نوعاً من الثقل تعادله مساحة المظلة والطفل وظل المرأة في يسار اللوحة، كما حقق الفنان الاتزان من خلال التوزيع اللوني، حيث نجح في خلق هارموني بإيقاعات لونية مختلفة، فالأبيض هو لون الغيوم يتوزع بين الغيوم وفستان المرأة، أما الأزرق فهو المكون للسماء ويحدث نوعاً من الإحساس بالإيقاع المتنوع، وذلك ما فعله أيضاً في توظيفه للون الأخضر في الأرضية العشبية وفي بعض أجزاء الغيوم. ويشار إلى أن مونيه في هذه اللوحة قد اعتمد في أسلوبه على لمسات الفرشاة، وعدم الاهتمام بالتفاصيل بل التركيز على تأثير ضوء الشمس وانعكاساته على فستان السيدة، الأمر الذي خلق نوعاً من الحوارية بين مفردات الطبيعة داخل العمل. واستطاع مونيه في هذه اللوحة أن يحقق تبايناً مبهجاً بين الرياح والغيوم والضوء وثبات الأرض المرتفع، من خلال ربط كل هذه العناصر بالمرأة.
أسلوب
ويلاحظ العديد من النقاد أن مونيه في هذه اللوحة لا يهتمُ بالتفاصيل نهائياً، فلا يرسم السماء مثلاً بتفاصيلها وُمحتوياتها، وإنما يتركُ الألوان تُظهرُ حالة الجو، ولا يرسمُ الحقل والورود بتفاصيلها التي تُظهر نوع الزهور والورود التي في الحقل كما يفعلُ غيره من الانطباعيين وأربابُ المدرسة الواقعية والتعبيرية، إنما يأتي المشهدُ كُلياً وعمومياً دُونَ تفاصيل تُذكر، واعتبر معظم النقاد تلك اللوحة أشهر أعمال مونيه على الإطلاق فقد حققت نجاحاً وذيوعاً كبيرين، وتم توظيفها على أغلفة العديد من الروايات والكتب وأقراص الموسيقى المدمجة وخلافها، فاللوحة تلخص المفهوم الانطباعي عن اللمحة الخاطفة، وتوصل بطريقة رائعة الإحساس باللقطة عندما تقتنص في اللحظة المناسبة خلال رحلة لزوجة الفنان وابنه في يوم مشمس جميل.