هاشم علي عبدالله بن عوض مولى الدويلة، خامس أشقائه وأكبرهم، ولد عام 1945. عاش في كنف والده الذي كان يعمل تاجرًا بسيطًا مترحلًا، عاش الفنان جزءًا من طفولته في أندونيسيا، وهناك تلقى جزءًا من تعليمه الأساسي ثم عاد مع أسرته إلى حضرموت، وفيها تابع دراسته في الكتّاب. وفي الثامنة من عمره اجتذبته الفنون، فبدأ مشواره بتعلم النحت على يد أستاذه علي علوي الجفري خلال فترة لم تتجاوز الثلاثة أشهر، كان فيها أستاذه منضبطًا، كما يصفه الفنان.
في 1955، توفي والده، مما جعل الفنان مضطرًا لترك دراسته بحثًا عن لقمة العيش. انتقل هاشم من حضرموت إلى أبين، بحثًا عن عمل، ومن ثَمّ إلى عدن، وهناك قُدّر له أن يلتقي عددًا من الفنانين الموجودين فيها، إبان الاحتلال البريطاني، حيث كانت الفنون التشكيلية ذات رواج في تلك الفترة، وهناك تشكلت معالم هويته وتحققت له رغبته في الاحتراف الفني.فقد تعرف إلى بعض الفنانين الموجودين فيها، وساعدته لغته الانجليزية على أن يطلع على تاريخ الفن اليوناني والروماني.. وتجارب العديد من الفنانين الأوروبيين، وبالذات الانطباعيين الذين تأثر بهم، أمثال (ادجار)، (فان جوخ)، (كلود مونيه)، (بيسارو)، كما بحث في التكعيبية التحليلية، والتكعيبية التوفيقية.. وكان يتابع كل مستجد فيما يتعلق بالفنون البصرية.
في 1962، هبت رياح الثورة السبتمبرية المجيدة، فلاحت للفنان فكرة السفر إلى الجزء الشمالي من الوطن (قبل الوحدة)، فتحقق له ما أراد. وفي 1963 استقر به المقام في مدينة تعز ذات الطبيعة الساحرة والمناظر الخلابة، فكان لجمالها وتنوع تضاريسها وتراثها الفلكلوري وعراقة حضارتها، الأثر البالغ في نفسه؛ مما جعله يعبر عن أحاسيسه ومشاعره بطريقته الفنية الخاصة، وما هي إلا فترة قصيرة من استقرار الفنان في مدينة تعز، حتى أقام معرضه التشكيلي الأول في عام 1967، ليكشف الستار رسميًّا عن عالم الفن كون معرضه كان الأول من نوعه في الشطر الشمالي من الوطن (قبل الوحدة).
في 1967، انتقل الفنان هاشم علي إلى مدينة الحديدة، لإثراء مواضيع لغته التشكيلية ثم عاد إلى تعز في 1969، ليستقر فيها بشكل دائم، ولتكون نقطة انطلاقه إلى جميع المحافظات، فاستلهم من وحيها مواضيع لوحاته القادمة. ولأن الفنان هاشم علي بدأ مشواره الفني في فترة زمنية تفتقر إلى أدنى المعالم الفنية التي يمكن أن يسترشد بها، فقد أخذ على عاتقه تطوير نفسه ذاتيًّا ليتمكن من اكتساب القدرات الفنية والخصائص المعرفية اللازمة، فعمد إلى دراسة المدارس الفنية المختلفة عبر المطبوعات التي حصل عليها من بعض المراكز الثقافية التابعة لدول أخرى في اليمن، ومنها المركز الثقافي الروسي.
عبّرت أعماله الفنية في مطلع السبعينيات حتى مشارف الثمانينيات، عن تجارب عدة لنصوص بصرية مختلفة شكّلت مزيجًا متنوعًا في معارضه الداخلية والخارجية في تلك الفترة. ورغم تعدد المدارس الفنية التي أطل من خلالها الفنان على جمهوره، إلا أن الأعمال الانطباعية للفنان “فان جوخ” أثرت في ذاكرته البصرية والفكرية، التي تمحورت بصريًّا في ضربات فرشاة ثائرة منفعلة فكريًّا، وببساطة موضوعاتها الإنسانية، ثم أخذ التأثير البصري الانفعالي يضمحل لدى الفنان لتصبح حركة الفرشاة أكثر تناغمًا وجمالًا، وذلك لفقدان الفنان هاشم علي لحقيقة الحالة التي عاشها “فان جوخ”، والمسيطرة على حالته النفسية المنفعلة، التي انعكست بدورها على أعماله الفنية الأخيرة.
ولذلك قد يصعب على الإنسان الوصول إلى التميز عبر سلوك الطريق المنفعل الخارج عن حقيقة الذات، ناهيك بالفنان وتميّز أعماله الفنية. ومما يميز هذه الفترة من مسيرة الفنان هاشم علي، أن مرسمه أصبح قبلة يؤمها العديد من الهواة والراغبين في تعلم الفن التشكيلي، بل أضحى مرسمه ملتقى للأدباء والكتاب والمثقفين والمهتمين بالفن الحديث. ولعل حصوله في 1973، على منحة تفرغ من وزارة الثقافة في صنعاء، كونه فنانًا محترفًا، قد أسهم في أن يلتفت إلى غرس بذور الفن والإسهام في توريث التجربة الفنية للأجيال.حتى أن الكاتبة السويسرية (لورنس ديونا) حين زارت مرسمه اندهشت لخبراته فقالت في كتابها (اليمن التي شاهدت):” كثير من الأوربيين المثقفين، ممن يحوزون مكتبة ومتحفًا، يعلمون عن فنهم أقل من (هاشم) اليمني المعزول في أقصى طرف العربية. لقد شاهد كل شيء وقرأ كل شيء: عذارى رافائيل، والرسوم الخداعة للباروكية، وزخارف الحصى للزخرفة المثقلة، وورقيات كورو، ونساء رينوار، وملصقات براك. وهكذا بالنسبة لهاشم، كما بالنسبة لكثيرين غيره، فإن سيزان هو سيّد الرسم الحديث”.
وقد ظهرت ثمرة رعايته لتجارب الفنانين الشباب بتخريج كوكبة منهم على يديه، وهم يعدون اليوم من أبرز فناني الحركة التشكيلية في اليمن من أمثال: طلال النجار، حكيم العاقل، آمنة النصيري. وتعدّ هذه هي المرحلة التكوينية لشخصية الفنان البصرية. ونظرًا لأن أعمال هذه المرحلة لاقت رواجًا عند العديد من المتذوقين، فلم يتم توثيقها، إذ كانت تباع بعد تنفيذها مباشرة إلا ما كان منها من الأعمال المقتناة من الدوائر الحكومية.
منذ مطلع ثمانينيات القرن العشرين الماضي، بدأت محاولات الفنان هاشم علي في البحث عن ذاته وأصالته في أعماله البصرية من خلال التعرف على ثقافة الشعوب الفلسفية والدينية، أثناء الفرص التي أتيحت له لزيارة بعض البلدان العربية. بدأ الفنان في هذه المرحلة إنتاج أعماله الحبرية “أبيض وأسود”، التي اتصفت بالتميز والانفراد في الأسلوب المستخدم في تنفيذها، وقد شكل الإنسان جوهر أعماله، ووجد من خلاله نزعته المادية لعنصر القوة والإصرار الذي اتخذ أسلوب المبالغة في إبراز بعض العناصر المكونة للعمل الفني، تأكيدًا لعنصر الفكر الجلالي المراد طرحه، مع إكساب اللوحة العنصر الجمالي والشكلي، لإعطائها التوازن والحركة الديناميكية للجسم داخل مساحة الورق. ثمّ بدت الأعمال الحبرية أكثر رصانة، وذلك تأكيدًا للجانب الفكري المكون لعنصر الشكل، فكانت الخطوط أكثر سماكة وتكسرًا.
مع بداية تسعينيات القرن العشرين الماضي، أصبحت الخطوط في لوحاته أكثر مرونة وروحانية مع ديناميكية سابحة. ومنذ مطلع التسعينيات أيضاً وحتى نهاية حياته، اكتشف الفنان هاشم علي اللون الأسود وما يعطيه من قوة وجلال وعوالم مكتنزة في مساحته اللونية. وأخذت الأعمال الزيتية للفنان تنحو مناحيَ إشراقية نورية مكتنزة عبر دراسة الألوان الحارة ومحاورتها بالألوان الباردة التي تعطي، حين تُمزج أجزاؤها وتشبع مساحة اللوحة بالألوان، حركةَ نور جوهري ينتج عن اجتماع هذه الألوان وكأنه يكشف عن جوهر الطاقة الكامنة التي تحملها عين كل مادة موجودة في هذه الحياة.
إضافة إلى هذه الحالة الفنية الفريدة للفنان هاشم علي، التي نراها بارزة في استخدام الألوان الزيتية في أعماله الفنية، تحيل تلك المشاهد والمناظر الطبيعية والشخوص الإنسانية إلى عالم اللامرئي، حيث انعتاق الروح وانبعاث إشعاعاتها من جوهر الأشياء.
تُوفّي الفنان هاشم علي في 7 نوفمبر/ تشرين الثاني 2009، ودفن في مقبرة الأجينات بمدينة تعز.