ولد عبد الجبار أحمد عبد الوهاب نعمان في منطقة ذبحان قرب مدينة تعز عام 1949، وفيها بدأ تعليمه للمرحلة الابتدائية، ثم انتقل إلى عدن لإكمال تعليمه، وفيها أيضاً، بدأ حياته المهنية مدرساً في “كلية بلقيس”، التي تأسست مطلع ستينيات القرن الماضي، وسافر إلى القاهرة حيث التحق بـ “معهد الفنون الإيطالية وحاز منه على درجة البكالوريوس بامتياز مع مرتبة الشرف عام 1973.خلال مسيرته الفنية الحافلة حصل الفنان على العديد من الجوائز والشهادات التقديرية بالاضافة لحصوله على وسام العلوم والفنون من الدرجة الأولى ووسام مارب من الدرجة الثالثة واستمرت انجارته بحصوله على جائزة اللوحة الذهبية وشاهدة استحقاق من منظمة اليونيسف ووسام الآداب والفنون من الدرجة الأولى.
وصف وزير الثقافة اليمني الأسبق خالد الرويشان، في مقال سابق له، عبد الجبار نعمان، بأنه الفتى “الذي سحر عبد الناصر”، حيث أُعجب الأخير خلال زيارته لصنعاء، بأعمال نعمان فمنحه بعثة للدراسة الفنون الجميلة، ورعى في عام 1965 أول معرض له في القاهرة. ومنذ سبعينيات القرن الفائت نظم العديد من المعارض في اليمن وكل من روسيا وبلغاريا وألمانيا وبريطانيا ومعظم الدول العربية ويعد الراحل من أبرز المؤسسين للحركة الفنية في اليمن، وأشهر الفنانين التشكيلين على مستوى العالم، حيث طافت لوحاته عواصم ومدن عديدة، وعرضت في أهم المتاحف العربية والعالمية. وهنالك العديد من أعماله ولوحاته الجدارية في اليمن لدى كل من: القصر الجمهوري، وزارة الخارجية، والبنك المركزي، وصالة المؤتمرات الصحفية.
بدأ الفنان مشواره بالواقعية حيث ارتبطت أعماله بالبيئة المحلية، وعبرت عن الهوية من خلال المعمار والزخارف غالباً، كما رسم في فترة لاحقة الوجوه والبورتريهات النسائية، مبرزاً من خلالها جماليات الزي والتراث الشعبي، فرسم اليمن وأظهر معالمها الفنية والثقافية، ومن أبرز أعماله، جدارية افتتحها الأمم المتحدة عن الحرب والسلام، مثّل نعمان أسلوباً خاصاً في تصوير المشاهد الطبيعية واستخدام اللون كعنصر أساسي في بناء لوحته، كما تميّزت تجربته بتقديم العديد من الجداريات الكبيرة التي عكست رؤيته في الفن وعلاقته بالحيز العام وحياة الأفراد الذين ينتمون إليه.
مرت تجربة (عبد الجبار نعمان) بمراحل تطور ، حتى تبلورت فلسفته اللونية ، ومنهجيته في التعامل مع أدواته وفي كل مرحلة تجرعت تجربة الفنان، كثير من المرارات، لكن صاحبها لم ينكسر، فقد ظل حريصاً على تعزيز حضورها، و تطوير أدواتها ، لدرجة أن تفصيلات كل مرحلة، تكفي لتقديم هذا الفنان كفنان رائد في كل مراحل تجربته بدءاً من أعماله الواقعية ، التي ارتبطت بالبيئة المحلية ، و عبرت عن الهوية ، من خلال المعمار و الزخارف غالباً، وصولاً إلى أعماله الواقعية الرومانسية متمثلة كثيراً في الوجوه النسائية، مبرزاً من خلالها جماليات الزي والتراث الشعبي، وحتى أعماله التعبيرية، و انتهاء بأعماله الجديدة ، التي قدمها في معرضه الأخير ببيت الثقافة العام الفائت بعد عشر سنوات من الغياب، و التي تنتمي إلى الفن الحديث..
اعتمد الفنان (عبد الجبار نعمان) على منهجية أدائية خاصة، سار في تطويرها، إلى أن امتلك بها الحرية في التعامل مع أدواته وصولاً إلى الشكل الذي يتحدث بلغة اللون في التعبير عن المتن؛ فتجلى متميزاً في بناء (المنظر المركب): وهو منظر يستفيد الفنان في سياق بنائه، من مكونات و طاقات وقيم عدد من المناظر تتداخل بمحمولاتها الهندسية، في تقديم الواقع بمعمارية جديدة .. بقراءة جديدة .. بصياغة جديدة تستفيد من كل الأدوات و الخامات، و بحرية تعتمد على طاقات كل الألوان بجرأة تفضي إلى لوحة جديدة ..يقول:( أعتمد في بناء لوحتي على كل عناصرها ، مستخدماً كل أدواتها و قيمها، وفق رؤية جمالية لا تغفل عن أهمية الطابع التزييني و الزخرفي والجمالي في مفردات البيئة، كما لا تتجاهل الأبعاد الهندسية و محمولاتها من الاستعارات الفنية .. وفي كل ذلك يبقى اللون هو الأرضية التي اعمل عليها، في سبيل الخروج بمعادلة جمال اللوحة إلى النتيجة أو الرؤية التي ابتغيها) .
في تسعينيات القرن الماضي، حيث بدأ في استنطاق خصائص التراث اليمني وفق رؤية مختلفة تعيد اكتشاف الجمال الحقيقي للمنظور وهو ما قدمته لوحته في معرض «سماء من البنفسج»، الذي أُقيم على رواق بيت الثقافة في صنعاء عام 2006م، وقدّم خلاله مستوى مختلفًا من اللوحة المركّبة من أكثر من منظر في هندسة شكلية للمنظور يتوازى معها معالجة لونية جريئة عكست مدى عمق الرؤية واتساعها في اشتغال تجريدي تعبيري عن الواقع، الذي طالما ارتبط به نعمان على مدى تجربته الفنية التي تواصلت لأكثر من خمسة عقود.
في معرضه الأخير الذي أقيم في غاليري صنعاء عام 2016م باسم “بنات القمر” قدّم نعمان فيه تجربة جديدة في سياق لوحته الجديدة التي قدمها معرضه السابق، متميزًا فيه باشتغال على مستوى مختلف في علاقته بالمعالجة اللونية لموضوعات أعاد فيها قراءة مدى عشقه لليمن ومدى ارتباطه بالهُوية من خلال تجسيد نصوص بصرية تتمحور في مراكزها عناصر نسوية اختزل فيها جمال وخصوصية بلاده.. كما أكد، من خلالها، مدى احتفائه بالحياة وتمسكه بالجمال والبهجة.. على الرغم من أنه قدّم ذلك المعرض، وهو يعاني عددًا من الأمراض علاوة على ما تعانيه بلاده من حرب وحصار وضيق عيش.
توفي الفنان التشكيلي اليمني، عبدالجبار نعمان مساء السبت 26 يناير 2019، في أحد مستشفيات العاصمة صنعاء، بعد صراع طويل مع المرض.