إعداد سماح عادل
“عبد الجبار نعمان” فنان تشكيلي يمني، ساهم في الارتقاء بالفن التشكيلي اليمني، وقد سعى إلى التعريف بالحضارة اليمنية عبر المشاركة بالعشرات من اللوحات الجدارية التي برز فيهما متمكناً ومحترفاً وفناناً كبيراً صاحب مشروع خاص أثرى من خلاله الساحة التشكيلية اليمنية.
“عبد الجبار نعمان” من مواليد 1949، في منطقة ذبحان التابعة لمديرية الشمايتين، بمحافظة تعز، وفيها بدأ تعليمه للمرحلة الابتدائية، ثم انتقل إلى عدن لإكمال تعليمه، وفيها أيضاً، بدأ حياته المهنية مدرساً في “كلية بلقيس”، التي تأسست مطلع ستينيات القرن الماضي، درس الفنون وتخرج في (كلية ليوناردو) في القاهرة عام 1973، ومنذ سبعينيات القرن الفائت نظم العديد من المعارض في اليمن وكل من روسيا وبلغاريا وألمانيا وبريطانيا ومعظم الدول العربية.
يقول الفنان “عبد الجبار نعمان” عن فنه: “ما حققته تجربتي أقرأه في اهتمام محلي، من خلال إعجاب التشكيليين اليمنيين بأعمالي، كما أقرأه في اهتمام عالمي، من خلال حرص كثيرين ممن يزور اليمن من الأجانب على زيارتي و شراء لوحاتي، التي تدهشهم بما يجعلهم يحملوها معهم إلى بلدانهم، فضلاً عن أن هذا الإعجاب تجاوز الأفراد إلى المؤسسات والمنظمات الدولية العاملة في اليمن، حتى إن منظمة (اليونيسيف) اختارت إحدى لوحاتي، ووضعتها في أحد طوابعها البريدية، لمراسلات الأمم المتحدة لمدة عام.. وهي شهادة اعتز بها ولا أتباهى من خلالها”.
منهجية خاصة..
في مقالة بعنوان (عبد الجبار نعمان منهجية خاصة في التعامل مع قيم الفن التشكيلي) يقول “أحمد الأغبر”: “فنان له مع اللون فلسفة فريدة، انطلق، من خلالها، في نسج منهجيته الخاصة في التعامل مع عناصر اللوحة و أدوات و قيم التشكيل، متفرداً برؤية و نص وأسلوب لم يتوقف- من خلاله- عن تطوير التجربة، ممتلكاً جرأة في مخاطبة اللون وحرية لافتة في بناء وتركيب اللوحة، و قبل هذا وذاك يبقى (عبد الجبار نعمان) صاحب تجربة مثلت وتمثل علامة فارقة في مسار تطور التشكيل اليمني الحديث.. لوحة (عبد الجبار نعمان) لا ينفد جمالها.. لوحة لا تتم قراءتها في مشاهدة واحدة؛ فهي في كل مشاهدة تبث إليك قيم وحقائق جديدة و لعل جدارياته التي تتزين بها قاعات وأروقة أهم مؤسسات الدولة في اليمن تقدم دلالة واضحة على خصوصية هذه التجربة، والدور الذي أسهمت من خلاله في تعزيز علاقة الشعب اليمني بالفن التشكيلي، لدرجة كانت و ما تزال نتاجاته هي الأكثر اقتناء من قبل المؤسسات الحكومية وغير الحكومية.. هذا الإعجاب بأعمال هذا الفنان، الذي يعد من رواد الفن التشكيلي باليمن، لم يقتصر على المؤسسات اليمنية، بل امتد إلى المنظمات الدولية العاملة في اليمن، بما فيها مكاتب الأمم المتحدة”.
وعن مراحل تطوره يضيف الكاتب: “مرت تجربة (عبد الجبار نعمان) بمراحل تطور، حتى تبلورت فلسفته اللونية، ومنهجيته في التعامل مع أدواته.. يقول:(من الطبيعي أن تمر تجربة أي فنان بمراحل نمو، حتى تصل إلى النضوج و الوعي بخصوصيتها و تقديم رؤيتها وفق أسلوب فريد يسهم في صياغة الجمال وفق قناة تخص الفنان، و لا تتناقض مع قيم الفن).. في كل مرحلة تجرعت تجربة الفنان، كثير من المرارات، لكن صاحبها لم ينكسر، فقد ظل حريصاً على تعزيز حضورها، و تطوير أدواتها، لدرجة أن تفصيلات كل مرحلة، تكفي لتقديم هذا الفنان كفنان رائد: (مثل أي فنان يمني بدأت واقعياً، لكني سرعان ما تجاوزتها إلى الواقعية الرومانسية، وصولاً إلى التعبيرية، و لعل التعبيرية التي عشتها في عقد التسعينيات من القرن الفائت، قد مثلت منعطفاً هاماً في تجربتي؛ انطلقت منها من المدرسة الكلاسيكية في الفن إلى رحاب المدرسة الحديث، وفي فضاءات الفن الحديث تحررت من قيم الفن التقليدية، ممتلكاً حرية في التعامل مع الأدوات، و جرأة في توظيف اللون، بما عزز خصوصية اللوحة)”.
سيرة اللون..
وفي مقالة بعنوان (عبد الجبار نعمان.. سيرة اللون والشجون) يقول “عصام واصل”: ” خمسون عاماً من الحضور في جمال اللون ظل على مداها الفنان الراحل عبد الجبار أحمد عبد الوهاب نعمان ينسج تفاصيل العالم بريشته التي أعادت تأثيث الروح، ولم يتوقف عنها إلا بعد أن فارقت الروح جسده النقي، على مدى خمسين عاماً تنقل بريشته في مدن اليمن وقراها من تعز إلى عدن إلى صنعاء وحضرموت، وأعاد هندسة صنعاء وشبام حضرموت وتعز وعدن، إنه عبد الجبار نعمان الذي مثل هوية فنية استوعبت جغرافيا اليمن كلها، وإنسان البلد كله بغض النظر عن انتمائه وعرقه وتوجهه. لم يكن نعمان مجرد فنان هاوٍ، بل كان من أهم المؤسسين لحركة الفن التشكيلي اليمني، ويعتبره معظم المؤرخون للفن التشكيلي، رائد الحركة الفنية اليمنية، وهو كذلك بالفعل، وليست ريادته مجرد ريادة تاريخية، بل وريادة فنية أيضا، فقد مثل طيلة حياته الفنية مدرسة متكاملة امتازت باستلهام الواقع وإعادة تشكيله من جديد بحس يفارق الواقعية برغم اتكاءه عليها في بدياته، فضلاً عن مزجه بين مدارس فنية متعددة، وخروجه إلى الفضاءات التجريبية الرحبة في مراحله الأخيرة”..
إيقاع الروح..
وفي مقالة بعنوان (عبد الجبار نعمان: لوحات بإيقاع الروح ورؤية براقة) تقول “صفية مهدي”: “في تصريحات سابقة نقلتها صحف محلية، يشير عبد الجبار نعمان إلى تطور إسهاماته الفنية، ويقول إنه «مثل أي فنان يمني بدأت واقعياً، لكني سرعان ما تجاوزتها إلى الواقعية الرومانسية، وصولاً إلى التعبيرية»، ويضيف«لعل التعبيرية التي عشتها في عقد التسعينيات من القرن الفائت، قد مثلت منعطفاً هاماً في تجربتي؛ انطلقت منها من المدرسة الكلاسيكية في الفن إلى رحاب المدرسة الحديث، وفي فضاءات الفن الحديث تحررت من قيم الفن التقليدية، ممتلكاً حرية في التعامل مع الأدوات، وجرأة في توظيف اللون، بما عزز خصوصية اللوحة».. يعد المعرض الذي أقامه عبد الجبار نعمان، في العام 2004 تحت عنوان «سماء من البنفسج»، من أشهر الأعمال التي توجهت إليها الأنظار، باعتباره جاء بعد انقطاع سنوات، ووظف خلاله نعمان مختلف خبراته، وقال بالتزامن مع تنظيم المعرض إنه استفاد كثيراً «من إمكانات الحرية المتاحة في مدرسة الفن الحديث، فأهتم بكل التفصيلات وأستنطق كافة الطاقات الكامنة في كل الإمكانات والخامات في تعاملي مع كل مكونات المنظر، بما يعطيني في النهاية لوحة اسمع إيقاعها في روحي قبل رؤية بريق سطوحها».. وفي العام 2016، شهدت صنعاء افتتاح المعرض التشكيلي الأربعين لعبد الجبار نعمان، تحت عنوان «بنات القمر»، والذي ضم مجموعة من أعماله الفنية قدم من خلالها الفنان رؤيته الفنية تجاه المرأة وحضورها في المجتمع، وكان المعرض هو الأول بعد آخر معرض أقامه في صنعاء في العام 2006”.
وفاته..
توفي “عبد الجبار نعمان” بالعاصمة صنعاء في 26 يناير 2019 عن عمر يناهز الـ 70 عاماً.