هايل علي المذابي*
الفنان طلال النجار غني عن التعريف لكن من الضرورة تقديم ملمح عن سيرته لمن لا يعرفه من جيل اليوم، هذا التعريف كما تقدمه موسوعة ويكيبيديا عنه:
طلال النجار درس التصوير الزيتي منذ ان كان في العاشرة من عمره وكان ذلك في بداياته على يد الفنان «هاشم علي» من 1974 إلى سنة 1983، ثم من سنة 1983 إلى سنة 1992 درس التصوير الزيتي في المعهد العالي للفنون موسكو، وحصل على الماجستير في التصوير الزيتي. وبعد عودته إلى اليمن عمل مديرا عاما في وزارة الثقافة في إدارة الفنون التشكيلية. عضو مؤسس في (جماعة الفن الحديث) وعضو مؤسس في جمعية الفنانين التشكيليين ونقابة الفنانين التشكيليين. ومؤسس (جماعة الفن المعاصر) في اليمن. شارك في معارض داخل اليمن وخارجها. من أهم الفنانين المعاصرين وأكثرهم كفاءة. فاز بالجائزة الأولى للفنون التشكيلية لمسابقة مجلة دبي 2009. نشرت لوحاته كأغلفة كتب وروايات ومجلات أدبية. تدرب على يديه الكثير من الفنانين الشباب. وأضيف عليها ما له علاقة بهذه القراءة وهو هجرته إلى السويد عام ٢٠٢١ بسبب النزاع والحرب الدائرة في اليمن.
تجربة طلال النجار بالقلم الرصاص
قال عن تجربته بالقلم الرصاص الناقد عبود سلمان في قراءة لأعمال طلال: “يعد الفنان التشكيلي العربي اليمني طلال النجار، أحد عباقرة فن التصوير اليمني المعاصر، وصاحب تجربة الرسم الكلاسيكي الصارمة، المشوبة ببعد نفسي كبير، التي ارتكزت على الوضوح والاتزان والتنظيم. ورسم ضياء اليمن السعيد. في حياة شبه الجزيرة العربية. فقد وضع حدا باسلوبيته الواقعية لتفاصيل الركاكة لفن التصوير العربي المعاصر. وفي مجال الفنون التشكيلية اليمنية المعاصرة. وسخف باطروحاته الجمالية. أصحاب الأهواء التصويرية العبثية الركيكة. وجعلهم في مآزق حرج. ووضع نفسي صعب. اسقطتهم درجات دراساته التصويرية بقلم الرصاص المتفرد به. وكانه بصمة ابدية واسطورية. لعالمه الاثير. والمحبب لنفسه. وهو المتمكن منه ومن باقي استخدامات التقنيات التصويرية الخاماتية في الرسم والتلوين. ومن خلال مشاهد انسانية حية. وهب موهبته لتجسيد نماذج بشرية يمنية وعالمية وانسانية. في حيز اهتماماته وابعاده الجمالية والتشكيلية التصويرية. حيث صور الرجال والنساء والأطفال والبيوت والمناظر الخلوية من اجواء صنعاء القديمة والحديثة. فظهرت جماليات مهارته الإبداعية الخلاقة. وسكب روحه فيها بمزيد من الحركة والتعبيرية والرشاقة ذو الصرامة أحيانا. فتجسيدت ملامح التعب والتاريخ والاصالة في عمق اخاديد وجوه ابطاله المرسومين في روايته التشكيلية حيث هو سارد تشكيلي وروائي من اليمن العزيز وفي عواطفه يذوب في سطح قماشة اللوحة. أو ملمس سطح اللوحة. ولأنه غير محدد بخطوط خارجية عبثية. تراه يذوب في اعماله وينصهر في بوتقة اسلوبيته في مشاهداته الخاصة لحياته في اليمن. وهو الفنان الوافي لتاريخ بلاده. واسطورة شعبه. واصالته العميقة في بعدها الاجتماعي. لهذا يأخذ ميزة الريادة. في صبره. وتحمله رغم فتوة عمره وشبابه في مسيرة أيامه المعاشة. في الكثير من اللوحات الجديرة بالاهتمام والتقدير والدراسة البحثية في النقد التشكيلي الحديث.
تجربة الفنان طلال النجار المهجر (سلسلة كارلستاد)
منذ هجرته إلى السويد عكف الفنان طلال النجار على التأقلم والتكيف مع بيئته الجديدة وبعد تأملات عزم على أن يخوض تجربة فنية جديدة أنتج خلالها سلسلة من اللوحات الزيتية الملونة عنون لها بـ “كارلستاد” وهو يستلهم الطبيعة ويعبر بألوانها وتفاصيلها عما يرغب في الإفصاح به، إنها تشبه ما قد يؤلفه كاتب ما عن خلاصة تجربته الفنية والحياتية لكن طلال يقدم هذه الخلاصة بسمو فني وباستعارات لونية بليغة وفلسفية.
ولعل أبرز حضور لوني في اللوحات الثلاث اللوحتان الأولى والثانية والرابعة في سلسلة كارلستاد فهو من نصيب اللون الأصفر وهو يذكر بقصيدة “الجيزيي” أو قصيدة الموت لكهنة الزن اليابانية، فعندما يشعر الكاهن بدنو الأجل يرسم دائرة ترمز إلى الكشف والبلوغ للحقيقة الأسمى وهي حقيقة الموت ثم يكتب قصيدته الأخيرة والتي يعد عيبا أن يصرح فيها الكاهن بالموت صراحة فيستعير له بتساقط أوراق الكرز أو بمشهد غروب الشمس أو بالخريف وأوراقه الصفراء فيكون لون أوراق الأشجار الصفراء دلالة على البلوغ للحقيقة العظمى وهي حقيقة الموت وأما لدى النقشبندية من المتصوفة التي ترى أن للإنسان عدة أنفس ولكل نفس هالة أو لون خاص بها فالأصفر لون النفس اللوامة ولون الشعور بالذنب، والأخضر لون النفس الراضية والأسود لون النفس المرضية (أرضاها الله) والأحمر لون النفس الملهمة والأبيض لون النفس المطمئنة والأزرق لون النفس الأمارة بالسوء.
أما اللوحة الثالثة من سلسلة كارلستاد فيمكن القول إنطلاقا من حيثياتها اللونية أن لا شيء يمكن أن يجسد مقولة أن الجمال هو ما نخلعه من أنفسنا على الأشياء مثل لوحة الفنان، فلهب الروح المنفوخ في اللوحة يُظهر تفاصيل النفس ودواخلها.. حيث يظهر جمال روح الفنان طلال متجسدا في خضرة شجرة الربيع سماحة وأخلاقا وسكينة ماء البحيرة والأفق الفسيح عقلا وإدراكا وتقديس العائلة رغم البعد.. وكيف لا؟ ألسنا نحن مزيج من مكونات هذا الوجود!
إن المتأمل في هذه السلسلة من لوحات كارلستاد يجد نزوعا نحو التصوف من جهة ونزوعا نحو المنحى الإحيائي الذي تميزت به تجربة الرومانسيين حيث وجدوا في إحيائهم لمظاهر الطبيعة ملاذا وسلوى من جور الحياة والواقع أو كما نسميه اليوم عالما موازيا يمكن التعويض به عن الواقع…
وهناك تجسيد أيضا في تجربة طلال النجار قبل الهجرة وبعدها لحالة الجدل الفلسفي التاريخي بين المادية والمثالية وسؤال: أيهما يصنع الآخر البيئة تصنع الوعي أم الوعي يصنع البيئة؟ والجواب في لوحات طلال طبعا كما تجسده أعماله القديمة والجديدة هو أن البيئة هي من يشكل وعي الإنسان ويصنعه ففي السابق كانت البورتريهات الخاصة بوجوه الناس في صنعاء القديمة بالقلم الرصاص هي ما يرسمه طلال بإعجاز، وبعد هجرته نجد أن البيئة الجديدة تصمم وعيه وتعيد صياغة عالمه فتسيطر على نتاجه الفني لتظهر مناظر الطبيعة التي يجدها في لوحاته، وتعبر عما يفكر به ويريد قوله.
*كاتب يمني
المصدر/ الأمة برس