د. ابراهيم طلحة*
يشير مصطلح التنغيم في الدراسات الصوتية إلى القالب أو الطابع الموسيقي الذي يكسو الكلام عند الإلقاء والنطق، وهو مصطلح مأخوذ من ميدان الفنون الموسيقية التي تهتم بدرجة التوافق والتواؤم بين النغمات والتنويعات الصوتية المؤدَّاة.
فمثلًا: عندما غنى الفنان الراحل أبو بكر سالم أغنيته المشهورة – من كلمات الشاعر الراحل المحضار – “با شل حبك معي” وزَّع نغمات الشجن بطريقة تتماهى مع الحالة الشعورية التي يعيشها هو أو الشاعر أو أي شخص غيرهما من المستمعين أو المتلقين عمومًا، فيتخيَّل نفسه في هذا الموقف من الفراق والبين ولحظات الوداع التي تجعل السفر قرارًا صعبًا يقتضي إعداد الزاد للرحلة، فاستصحب الحب معه زادًا:
“با شل حبك معي بلقيه زادي ومرافقي في السفر
وبا تلذذ بذِكرك في بلادي في مقيلي والسمر”…
لذة ممزوجة بدموع الغربة، أخرجت اللحن المعروف للأغنية، وهو لحن متناغم صوتيًّا ومريح نفسيًّا.
أما عندما غنى “مَن يشبهك مَنْ؟!” فإن المقام اقتضى تقاسيم وإيقاعات تثير سؤال الهوية المصيري والوجودي، فجاء النغم مراعيًا للاستفهام الذي هو هنا بغرض النفي، أي: لا أحد يشبهك، وهو ما دلت عليه الجُمل التي بعده، تلك الجُمل التي أتقن الفنان أبو بكر سالم الوقوف على عتباتها بحسب الإحالات التاريخية وما فيها من خصوص وعموم: أنتِ الحضارة.. أنتِ المنارة.. أنتِ الأصل والفصل والروح والفن.. يا يمن.
وإذن، فالكلام – أيضًا – له تنغيم بحسب المقام والسياق؛ فلو قال قائل – على سبيل المثال – لطفلٍ: “لا تلعب بالنار”، فإنه ينهاه ويحذره من اللعب بالنار، وهذا غالبًا ما يأتي في سياق التعليم.
لكن لو قال رئيس دولة لرئيس دولة أخرى: “لا تلعب بالنار”، فإنه هنا يهدده وينذره ويحذِّره من التدخل في شؤون بلاده أو المساس بسيادتها أو العبث بالقضايا المتعلقة بها، ونحو هذا.
ونغمتا الجُملتين ستختلفان، وبإمكانكم أن تتخيلوا وجه المعلم ووجه الرئيس وملامحهما.
وعلى طاري “لا تلعب بالنار” طبعًا أكيد عرفتم أغنية راغب علامة التي يقول فيها:
“لا تلعب بالنار تحرق اصابيعك
واللي بيشتريك يرجع يبيعك”!!
*شاعر وأكاديمي يمني