عندما نظرت إلى لوحة “رقصة الحياة” للرسام المصري فريد خطاب لفت نظري الاسم والرموز التعبيرية الموجودة بداخل اللوحة، والتي تعتبر تجسيدًا للحياة، ولكن بصورة مصغرة، وعندما دققت بالنظر أكثر، نسجت قصة رائعة تستحق السّرد.
أولًا كانت تبدو اللوحة منقسمة بشكل ما إلى جزء علوي وسفلي وكأنها كانت تشير لواقعين مختلفين يمكننا أن نطلق عليهم الحاضر والماضي، وبالنظر إلى الجزء الأسفل وجدت أنه يبدو معتمًا، ويحوي بداخله العديد من الغموض والأسرار، وعند التحديق أكثر وجدت فتاة تقف بمكانٍ مرتفع وترتدي ثيابًا باللون البرتقالي، وكانت عليها مشاعر الحيرة. حيث كان أمامها مكان كبير وعريق وله بوابة عملاقة، أمامها تمثال ضخم على هيئة رجل يمسك بيده مفتاحًا ذهبيًا كبيرًا، ولكن لا حيلة للفتاة للعبور إلى المكان المنشود حيث لا جسر ولا سُلّم.
ولكن لفت نظري أنه على بُعد خطوات من تلك الفتاة كان يقف رجلًا قوي البنية، ويرتدي قبعة فوق رأسه، وكان يقف في صمتٍ مريب، ويقوم بمراقبتها فقط من دون أي معالم توحي أنه يحاول مساعدتها في أمرها، تعجبت قليلًا من موقف ذلك الرجل، وفي غضون لحظات شعرتُ بأن المشهد يوحي بأنه ربما هو من أوقع بالفتاة في ذلك الفخ، ووضعها في هذا الموقف الصعب، وقلتُ في نفسي لم لا يكون قد وعدها بأنه باستطاعته أن يساعدها إلى الدخول إلى هذا المكان العريق ثم تركها بمنتصف الطريق وحدها، ربما خدعها أو تلاعب بها، ولكن أيًا يكن ما حدث لا مفر من مواجهة الواقع المرير.
ثم اتجهت بنظري إلى الجزء العلوي من اللوحة، وكانت هنا المفاجأة بالنسبة لي، حيث وجدت تلك الفتاة التي كانت بالجزء الأسفل، ولكن هذه المرة كان يبدو عليها مظاهر النضوج والرزانة والرقي، لاحظت أنها تحولت من فتاة في مقتبل العمر إلى امرأة ناضجة وحكيمة، كانت ترتدي نفس اللون البرتقالي، ولكن الثياب كان مثل ثياب الأميرات بالعصر القديم، وكان يخيم على ذلك الجزء من اللوحة اللون الأخضر الزاهي والكثير من النباتات. ولاحظت أنها تحاول أن تمد يدها لتأخذ بعضًا من نبات الذرة الذي كان يتواجد بكثرة حولها، وليس هو فقط، بل كان يحيط بها الكثير من النعم والخيرات وبعض مظاهر الوفرة.
وبالنظر إلى اتجاه اليمين قليلًا وجدت رجلًا وسيمًا، وملامحه لطيفة، كان ينظر إلى الفتاة، ويتأملها في صمت وهي تقطف الذرة باستمتاع، وكان من الملفت أن جسده ووجهه يشع نورًا، اعتقدت في نفسي حينها أن هذا الرجل هو فارس أحلامها الذي طالما انتظرته طويلًا. وكان من المدهش أنني حينما فكرت في ذلك وجدت أنه يفصل بينهما طريق تكسوه النباتات الخضراء وتزينه قناديل الإنارة على كلا الجانبين، حقًا كان مشهدًا مذهلًا بالنسبة لي. وقبل أن أنتهي من مشاهدتي وتحليلي لرموز اللوحة وجدت أن هناك كائنات نورانية تبدو مثل الملائكة أو لربما هم الملائكة بذاتها، كانت ترسل نورًا على امتداد مشاهد اللوحة.
حقًا كانت لوحة غاية في الإبداع، وشعرت أنها تمثل لي الأقدار الحياتية التي دومًا نمر بها، وأنه لا نضوج ولا تطور بدون المرور بالمواقف الصعبة حتى نتهيأ للمراحل التي تليها، وأيضًا لعبت الفتاة دورًا هامًا في أن تجسد رسالة تقول إنه بعد الظلام يأتي النور وبعد القهر يأتي الانتصار، وإنه لا بقاء لدوام الحال فالكون دومًا متغير فدوام الحال من المحال.